الملاقي من الشر المتوقّع من بين كثير من المتناكرين. ولذلك كان اللفظ الشائع هو لفظ السلام الذي هو الأمان ، فكان من المناسب التصريح بأن الأمان على المخاطب تحقيقا لمعنى تسكين روعه ، وذلك شأن قديم أن الذي يضمر شرا لملاقيه لا يفاتحه بالسلام ، ولذلك جعل السلام شعار المسلمين عند اللقاء تعميما للأمن بين الأمة الذي هو من آثار الأخوة الإسلامية. وكذلك شأن القرى في الحضارة القديمة فإن الطارق إذا كان طارق شر أو حرب يمتنع عن قبول القرى ، كما حكى الله تعالى عن إبراهيم (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠].
وفيه تنويه بشأن هذا اللفظ الذي هو شعار المسلمين عند ملاقاتهم لما فيه من المعاني الجامعة للإكرام ، إذ هو دعاء بالسلامة من كل ما يكدر ، فهو أبلغ من أحياك الله لأنه دعاء بالحياة وقد لا تكون طيبة ، والسلام يجمع الحياة والصفاء من الأكدار العارضة فيها.
وإضافة التحية إلى ضمير (هم) معناها التحية التي تصدر منهم ، أي من بعضهم لبعض.
ووجه ذكر تحيتهم في هذه الآية الإشارة إلى أنهم في أنس وحبور ، وذلك من أعظم لذات النفس.
وجملة (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) بقية الجمل الحالية. وجعل حمد الله من دعائهم كما اقتضته (أن) التفسيرية المفسرة به (آخِرُ دَعْواهُمْ) لأن في دعواهم معنى القول إذ جعل آخر أقوال.
ومعنى (آخِرُ دَعْواهُمْ) أنهم يختمون به دعاءهم فهم يكررون (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فإذا أرادوا الانتقال إلى حالة أخرى من أحوال النعيم نهّوا دعاءهم بجملة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وسياق الكلام وترتيبه مشعر بأنهم يدعون مجتمعين ، ولذلك قرن ذكر دعائهم بذكر تحيتهم ، فلعلهم إذا تراءوا ابتدروا إلى الدعاء بالتسبيح فإذا اقترب بعضهم من بعض سلم بعضهم على بعض. ثم إذا راموا الافتراق ختموا دعاءهم بالحمد ، فإن تفسيرية لآخر دعواهم ، وهي مؤذنة بأن آخر الدعاء هو نفس الكلمة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وقد دل على فضل هاتين الكلمتين قول النبي صلىاللهعليهوسلم «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن