قوله تعالى : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥].
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من الأنبياء نبيء إلّا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر» الحديث.
وإنما أرادوا أن البيّنات التي جاءهم بها هود ـ عليهالسلام ـ لم تكن طبقا لمقترحاتهم. وجعلوا ذلك علة لتصميمهم على عبادة آلهتهم فقالوا : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ). ولم يجعلوا (وَما نَحْنُ بِتارِكِي) مفرّعا على قولهم : (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ).
و (عَنْ) في (عَنْ قَوْلِكَ) للمجاوزة ، أي لا نتركها تركا صادرا عن قولك ، كقوله : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف : ٨٢]. والمعنى على أن يكون كلامه علة لتركهم آلهتهم.
وجملة (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) استئناف بياني لأنّ قولهم : (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) من شأنه أن يثير للسامع ومن معه في أنفسهم أن يقولوا إن لم تؤمنوا بما جاء به أنّه من عند الله فما ذا تعدّون دعوته فيكم ، أي نقول إنك ممسوس من بعض آلهتنا ، وجعلوا ذلك من فعل بعض الآلهة تهديدا للنّاس بأنه لو تصدّى له جميع الآلهة لدكوه دكّا.
والاعتراء : النزول والإصابة. والباء للملابسة ، أي أصابك بسوء. ولا شك أنهم يعنون أن آلهتهم أصابته بمسّ من قبل أن يقوم بدعوة رفض عبادتها لسبب آخر ، وهو كلام غير جار على انتظام الحجّة ، لأنه كلام ملفّق من نوع ما يصدر عن السفسطائيين ، فجعلوه مجنونا وجعلوا سبب جنونه مسّا من آلهتهم ، ولم يتفطنوا إلى دخل كلامهم وهو أن الآلهة كيف تكون سببا في إثارة ثائر عليها.
والقول مستعمل في المقول اللساني ، وهو يقتضي اعتقادهم ما يقولونه.
(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦).
لما جاءوا في كلامهم برفض ما دعاهم إليه وبجحد آياته وبتصميمهم على ملازمة عبادة أصنامهم وبالتنويه بتصرف آلهتهم أجابهم هود ـ عليهالسلام ـ بأنّه يشهد الله عليهم أنّه أبلغهم وأنّهم كابروا وجحدوا آياته.
وجملة (أُشْهِدُ اللهَ) إنشاء لإشهاد الله بصيغة الإخبار لأنّ كل إنشاء لا يظهر أثره في