الخلق من شأنه أن يقع بصيغة الخبر لما في الخبر من قصد إعلام السامع بما يضمره المتكلم ، ولذلك كان معنى صيغ العقود إنشاء بلفظ الخبر. ثمّ حملهم شهادة له بأنه بريء من شركائهم مبادرة بإنكار المنكر وإن كان ذلك قد أتوا به استطرادا ، فلذلك كان تعرّضه لإبطاله كالاعتراض بين جملة (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) وجملة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) [هود : ٥٧] بناء على أن جملة (فَإِنْ تَوَلَّوْا) إلى آخرها من كلام هود ـ عليهالسلام ـ ، وسيأتي. ومعنى إشهاده فيراد من شركائهم تحقيق ذلك وأنه لا يتردّد على أمر جازم قد أوجبه المشهود عليه على نفسه. وأتى في إشهادهم بصيغة الأمر لأنه أراد مزاجة إنشاء الإشهاد دون رائحة معنى الإخبار.
و (ما) في قوله : (مِمَّا تُشْرِكُونَ) موصولة. والعائد محذوف. والتقدير : مما يشركونه.
وما صدق الموصول الأصنام ، كما دل عليه ضمير الجمع المؤكّد في قوله : فَكِيدُونِي جَمِيعاً). ولما كانت البراءة من الشركاء تقتضي اعتقاد عجزها عن إلحاق إضرار به فرع على البراءة جملة (فَكِيدُونِي جَمِيعاً). وجعل الخطاب لقومه لئلا يكون خطابه لما لا يعقل ولا يسمع ، فأمر قومه بأن يكيدوه. وأدخل في ضمير الكائدين أصنامهم مجاراة لاعتقادهم واستقصاء لتعجيزهم ، أي أنتم وأصنامكم ، كما دل عليه التفريع على البراءة من أصنامهم.
والأمر ب (كيدوني) مستعمل في الإباحة كناية عن التعجيز بالنسبة للأصنام وبالنسبة لقومه ، كقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) [المرسلات : ٣٩]. وهذا إبطال لقولهم : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ).
و (ثُمَ) للتراخي الرتبيّ ؛ تحدّاهم بأن يكيدوه ثم ارتقى في رتبة التعجيز والاحتقار فنهاهم عن التأخير بكيدهم إياه ، وذلك نهاية الاستخفاف بأصنامهم وبهم وكناية عن كونهم لا يصلون إلى ذلك.
وجملة (إِنِّي تَوَكَّلْتُ) تعليل لمضمون (فَكِيدُونِي) وهو التعجيز والاحتقار. يعني: أنه واثق بعجزهم عن كيده لأنه متوكل على الله ، فهذا معنى ديني قديم.
وأجري على اسم الجلالة صفة الربوبية استدلالا على صحة التوكل عليه في دفع ضرهم عنه ، لأنه مالكهم جميعا يدفع ظلم بعضهم بعضا.
وجملة (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) في محل صفة لاسم الجلالة ، أو حال