السّلام ـ فإذا كان من كلام الله فقوله : (أَمْرُ رَبِّكَ) إظهار في مقام الإضمار لإدخال الرّوع في ضمير السامع.
وأمر الله قضاؤه ، أي أمر تكوينه.
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧))
قد علم أن الملائكة ذاهبون إلى قوم لوط من قوله : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٠]. فالتقدير : ففارقوا إبراهيم وذهبوا إلى لوط ـ عليهماالسلام ـ فلما جاءوا لوطا ، فحذف ما دل عليه المقام إيجازا قرآنيا بديعا.
وقد جاءوا لوطا كما جاءوا إبراهيم ـ عليهماالسلام ـ في صورة البشر ، فظنهم ناسا وخشي أن يعتدي عليهم قومه بعادتهم الشنيعة ، فلذلك سيء بهم.
ومعنى (ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) ضاق ذرعه بسببهم ، أي بسبب مجيئهم فحوّل الإسناد إلى المضاف إليه وجعل المسند إليه تمييزا لأن إسناد الضيق إلى صاحب الذرع أنسب بالمعنى المجازي ، وهو أشبه بتجريد الاستعارة التمثيلية.
والذرع : مدّ الذراع فإذا أسند إلى الآدميّ فهو تقدير المسافة. وإذا أسند إلى البعير فهو مدّ ذراعيه في السير على قدر سعة خطوته ، فيجوز أن يكون : ضاق ذرعا تمثيلا بحال الإنسان الذي يريد مدّ ذراعه فلا يستطيع مدّها كما يريد فيكون ذرعه أضيق من معتاده. ويجوز أن يكون تمثيلا بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته فلا يستطيع مدّ ذراعيه كما اعتاده. وأيّا ما كان فهو استعارة تمثيلية لحال من لم يجد حيلة في أمر يريد علمه؟ بحال الذي لم يستطع مدّ ذراعه كما يشاء.
وقوله : (هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) قاله في نفسه كما يناجي المرء نفسه إذا اشتد عليه أمر.
والعصيب : الشديد فيما لا يرضي. يقال : يوم عصيب إذا حدث فيه أمر عظيم من أحوال الناس أو أحوال الجوّ كشدة البرد وشدة الحرّ. وهو بزنة فعيل بمعنى فاعل ولا يعرف له فعل مجرد وإنما يقال : اعصوصب الشرّ ؛ اشتدّ. قالوا : هو مشتق من قولك : عصبت الشيء إذا شددته. وأصل هذه المادة يفيد الشدّة والضغط ، يقال : عصب الشيء إذا لواه ، ومنه العصابة. ويقال : عصبتهم السنون إذا أجاعتهم. ولم أقف على فعل مجرّد