يفعلها إلّا أهل السفاهة.
وقوله : (مِنْكُمْ) بمعنى بعضكم أنكر عليهم تمالؤهم على الباطل وانعدام رجل رشيد من بينهم ، وهذا إغراء لهم على التعقل ليظهر فيهم من يتفطّن إلى فساد ما هم فيه فينهاهم ، فإنّ ظهور الرشيد في الفئة الضالة يفتح باب الرشاد لهم. وبالعكس تمالؤهم على الباطل يزيدهم ضراوة به.
[٧٩ ، ٨٠] (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠))
فصلت جملة (قالُوا) عن التي قبلها لوقوعها موقع المحاورة مع لوط ـ عليهالسلام ـ.
و (لَقَدْ عَلِمْتَ) تأكيد لكونه يعلم. فأكد بتنزيله منزلة من ينكر أنه يعلم لأن حالة في عرضه بناته عليهم كحال من لا يعلم خلقهم ، وكذلك التوكيد في (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) ، وكلا الخبرين مستعمل في لازم فائدة الخبر ، أي نحن نعلم أنك قد علمت ما لنا رغبة في بناتك وإنك تعلم مرادنا.
ومثله قوله حكاية عن قوم إبراهيم (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)[الأنبياء : ٦٥].
و (ما) الأولى نافية معلّقة لفعل العلم عن العمل ، و (ما) الثانية موصولة.
والحق : ما يحقّ ، أي يجب لأحد أو عليه ، فيقال : له حق في كذا ، إذا كان مستحقا له ، ويقال : ما له حق في كذا ، بمعنى لا يستحقه ، فالظاهر أنه أطلق هنا كناية عن عدم التعلّق بالشيء وعن التجافي عنه. وهو إطلاق لم أر مثله ، وقد تحيّر المفسرون في تقريره.
والمعنى : ما لنا في بناتك رغبة.
وجوابه ب (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) جواب يائس من ارعوائهم.
و (لَوْ) مستعملة في التمنّي ، وهذا أقصى ما أمكنه في تغيير هذا المنكر.
والباء في (بِكُمْ) للاستعلاء ، أي عليكم. يقال : ما لي به قوة وما لي به طاقة. ومنه قوله تعالى : (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ) [البقرة : ٢٤٩].
ويقولون : ما لي بهذا الأمر يدان ، أي قدرة أو حيلة عليه.