(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ).
وجملة (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) مبيّنة لإجمال جملة (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) ، فلذلك فصلت فلم تعطف لأنها بمنزلة عطف البيان.
وتفريع الأمر بالسرى على جملة (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) لما في حرف (لَنْ) من ضمان سلامته في المستقبل كلّه. فلمّا رأى ابتداء سلامته منهم بانصرافهم حسن أن يبين له وجه سلامته في المستقبل منهم باستئصالهم وبنجاته ، فذلك موقع فاء التفريع.
و (أسر) أمر بالسرى ـ بضم السين والقصر ـ. وهو اسم مصدر للسير في الليل إلى الصباح. وفعله : سرى يقال بدون همزة في أوّله ويقال : أسرى بالهمزة.
قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو جعفر ـ بهمزة وصل ـ على أنه أمر من سرى. وقرأه الباقون بهمزة قطع على أنه من أسرى.
وقد جمعوه في الأمر مع أهله لأنه إذا سرى بهم فقد سرى بنفسه إذ لو بعث أهله وبقي هو لما صحّ أن يقال : أسر بهم للفرق بين أذهبت زيدا وبين ذهبت به.
والقطع ـ بكسر القاف ـ : الجزء من الليل.
وجملة (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) معترضة بين المستثنى والمستثنى منه. والالتفات المنهي عنه هو الالتفات إلى المكان المأمور بمغادرته كما دلّت عليه القرينة.
وسبب النهي عن الالتفات التقصي في تحقيق معنى الهجرة غضبا لحرمات الله بحيث يقطع التعلق بالوطن ولو تعلّق الرؤية. وكان تعيين الليل للخروج كيلا يلاقي ممانعة من قومه أو من زوجه فيشقّ عليه دفاعهم.
و (إِلَّا امْرَأَتَكَ) استثناء من أهلك ، وهو منصوب في قراءة الجمهور اعتبارا بأنه مستثنى من أهلك وذلك كلام موجب ، والمعنى : لا تسر بها ، أريد أن لا يعلمها بخروجه لأنها كانت مخلصة لقومها فتخبرهم عن زوجها. وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ـ برفع ـ امْرَأَتَكَ) على أنه استثناء من (أَحَدٌ) الواقع في سياق النهي ، وهو في معنى النفي. قيل : أنّ امرأته خرجت معهم ثم التفتت إلى المدينة فحنّت إلى قومها فرجعت إليهم. والمعنى أنه نهاهم عن الالتفات فامتثلوا ولم تمتثل امرأته للنهي فالتفتت ، وعلى هذا الوجه فالاستثناء من كلام مقدّر دلّ عليه النهي. والتقدير : فلا يلتفتون إلّا امرأتك