يقتضيه الأمر من رجاء العفو عنهم إذا استغفروا وتابوا.
وتفنن في إضافة الرب إلى ضمير نفسه مرة وإلى ضمير قومه أخرى لتذكيرهم بأنّه ربّهم كيلا يستمروا على الإعراض وللتشرف بانتسابه إلى مخلوقيته.
والرّحيم تقدّم.
والودود : مثال مبالغة من الودّ وهو المحبّة. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) في سورة النساء [٨٩]. والمعنى : أنّ الله شديد المحبة لمن يتقرّب إليه بالتّوبة.
(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١))
والفقه : الفهم. وتقدّم عند قوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) في سورة النّساء [٧٨] ، وقوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) في سورة الأنعام [٦٥].
ومرادهم من هذا يحتمل أن يكون قصد المباهتة كما حكى الله عن المشركين (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥] وقوله عن اليهود : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) [البقرة : ٨٨]. ويجوز أن يكون المراد ما نتعقّله لأنه عندهم كالمحال لمخالفته ما يألفون ، كما حكى الله عن غيرهم بقوله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] ، وليس المراد عدم فهم كلامه لأنّ شعيبا ـ عليهالسلام ـ كان مقوالا فصيحا ، ووصفه النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه خطيب الأنبياء.
فالمعنى : أنك تقول ما لا نصدق به. وهذا مقدمة لإدانته واستحقاقه الذم والعقاب عندهم في قولهم : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) ، ولذلك عطفوا عليه (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) أي وإنّك فينا لضعيف ، أي غير ذي قوّة ولا منعة. فالمراد الضعف عن المدافعة إذا راموا أذاه وذلك ممّا يرى لأنّه ترى دلائله وسماته.
وذكر فعل الرؤية هنا للتّحقيق ، كما تقدّم في قوله تعالى : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧] بحيث نزّلوه منزلة من تظنون أنهم لا يرون ذلك بأبصارهم فصرحوا بفعل الرؤية. وأكّدوه ب (إنّ) ولام الابتداء مبالغة في تنزيله منزلة