من يجهل أنهم يعلمون ذلك فيه ، أو من ينكر ذلك. وفي هذا التنزيل تعريض بغباوته كما في قول حجل بن نضلة :
إن بني عمّك فيهم رماح
ومن فساد التفاسير تفسير الضعيف بفاقد البصر وأنه لغة حميرية فركبوا منه أنّ شعيبا ـ عليهالسلام ـ كان أعمى ، وتطرّقوا من ذلك إلى فرض مسألة جواز العمى على الأنبياء ، وهو بناء على أوهام. ولم يعرف من الأثر ولا من كتب الأوّلين ما فيه أنّ شعيبا ـ عليهالسلام ـ كان أعمى.
وعطفوا على هذا قولهم : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) وهو المقصود ممّا مهّد إليه من المقدمات ، أي لا يصدّنا عن رجمك شيء إلّا مكان رهطك فينا ، لأنك أوجبت رجمك بطعنك في ديننا.
والرهط إذا أضيف إلى رجل أريد به القرابة الأدنون لأنّهم لا يكونون كثيرا ، فأطلقوا عليهم لفظ الرهط الذي أصله الطائفة القليلة من الثلاثة إلى العشرة ، ولم يقولوا قومك ، لأنّ قومه قد نبذوه. وكان رهط شعيب ـ عليهالسلام ـ من خاصة أهل دين قومه فلذلك وقّروهم بكفّ الأذى عن قريبهم لأنهم يكرهون ما يؤذيه لقرابته. ولو لا ذلك لما نصره رهطه لأنّهم لا ينصرون من سخطه أهل دينهم. على أنّ قرابته ما هم إلّا عدد قليل لا يخشى بأسهم ولكن الإبقاء عليه مجرد كرامة لقرابته لأنّهم من المخلصين لدينهم.
فالخبر المحذوف بعد (لَوْ لا) يقدّر بما يدلّ على معنى الكرامة بقرينة قولهم : (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) وقوله : (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) [هود : ٩٢] ، فلمّا نفوا أن يكون عزيزا وإنما عزة الرجل بحماته تعين أن وجود رهطه المانع من رجمه وجود خاص وهو وجود التكريم والتوقير ، فالتقدير : ولو لا رهطك مكرمون عندنا لرجمناك.
والرجم : القتل بالحجارة رميا ، وهو قتلة حقارة وخزي. وفيه دلالة على أن حكم من يخلع دينه الرجم في عوائدهم.
وجملة (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) مؤكدة لمضمون (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) لأنّه إذا انتفى كونه قويّا في نفوسهم تعيّن أن كفّهم عن رجمه مع استحقاقه إيّاه في اعتقادهم ما كان إلّا لأجل إكرامهم رهطه لا للخوف منهم.
وإنّما عطفت هذه الجملة على التي قبلها مع أنّ حق الجملة المؤكدة أن تفصل ولا