فالجملة عطف على جملة (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) [هود : ١٠٩].
ولأجل ما فيها من معنى التّثبيت فرع عليها قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [هود : ١١٢].
وقوله : (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أي في الكتاب ، وهو التّوراة. ومعنى الاختلاف فيه اختلاف أهل التّوراة في تقرير بعضها وإبطال بعض ، وفي إظهار بعضها وإخفاء بعض مثل حكم الرجم ، وفي تأويل البعض على هواهم ، وفي إلحاق أشياء بالكتاب على أنّها منه ، كما قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : ٧٩]. فهذا من شأنه أن يقع من بعضهم لا من جميعهم فيقتضي الاختلاف بينهم بين مثبت وناف ، وهذا الاختلاف بأنواعه وأحواله يرجع إلى الاختلاف في شيء من الكتاب. فجمعت هذه المعاني جمعا بديعا في تعدية الاختلاف بحرف (في) الدالة على الظرفيّة المجازيّة وهي كالملابسة ، أي فاختلف اختلافا يلابسه ، أي يلابس الكتاب.
ولأنّ الغرض لم يكن متعلّقا ببيان المختلفين ولا بذمّهم لأنّ منهم المذموم وهم الذين أقدموا على إدخال الاختلاف ، ومنهم المحمود وهم المنكرون على المبدّلين كما قال تعالى : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٦٦] وسيجيء قوله : وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] ، بل كان للتّحذير من الوقوع في مثله.
بني فعل (اختلف) للمجهول إذ لا غرض إلّا في ذكر الفعل لا في فاعله.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ).
يجوز أن يكون عطفا على جملة (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) [هود : ١٠٩] ويكون الاعتراض تمّ عند قوله : (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) ، وعليه فضمير (بَيْنَهُمْ) عائد إلى اسم الإشارة من قوله : (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) [هود : ١٠٩] أي ولو لا ما سبق من حكمة الله أن يؤخّر عنهم العذاب لقضي بينهم ، أي لقضى الله بينهم ، فأهلك المشركين والمخالفين ونصر المؤمنين.
فيكون (بَيْنَهُمْ) هو نائب فاعل (قضي). والتّقدير : لوقع العذاب بينهم ، أي فيهم.
ويجوز أن يكون عطفا على جملة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فيكون ضمير (بَيْنَهُمْ) عائدا إلى ما يفهم من قوله : (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) لأنّه يقتضى جماعة مختلفين في أحكام الكتاب. ويكون (بَيْنَهُمْ) متعلّقا ب (قضي) ، أي لحكم بينهم بإظهار المصيب من المخطئ في أحكام