(إن) وهي للتأكيد ، وثانيها (كلّ) وهي أيضا للتّأكيد ، وثالثها اللّام الدّاخلة على خبر (إنّ) ، ورابعها حرف (ما) إذا جعلناه موصولا على قول الفراء ، وخامسها القسم المضمر ، وسادسها اللّام الدّاخلة على جواب القسم ، وسابعها النون المؤكدة في قوله : لَيُوَفِّيَنَّهُمْ).
وتوفية أعمالهم بمعنى توفية جزاء الأعمال ، أي إعطاء الجزاء وافيا من الخير على عمل الخير ومن السوء على عمل السوء.
وجملة (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) استئناف وتعليل للتّوفية لأنّ إحاطة العلم بأعمالهم مع إرادة جزائهم توجب أن يكون الجزاء مطابقا للعمل تمام المطابقة. وذلك محقق التوفية.
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢))
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ).
ترتب عن التسلية التي تضمّنها قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) [هود : ١١٠] وعن التثبيت المفاد بقوله : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) [هود : ١٠٩] الحضّ على الدّوام على التمسك بالإسلام على وجه قويم. وعبّر عن ذلك بالاستقامة لإفادة الدّوام على العمل بتعاليم الإسلام ، دواما جماعه الاستقامة عليه والحذر من تغييره.
ولمّا كان الاختلاف في كتاب موسى ـ عليهالسلام ـ إنّما جاء من أهل الكتاب عطف على أمر النّبيء صلىاللهعليهوسلم بالاستقامة على كتابه أمر المؤمنين بتلك الاستقامة أيضا ، لأنّ الاعوجاج من دواعي الاختلاف في الكتاب بنهوض فرق من الأمة إلى تبديله لمجاراة أهوائهم ، ولأنّ مخالفة الأمّة عمدا إلى أحكام كتابها إن هو إلّا ضرب من ضروب الاختلاف فيه ، لأنّه اختلافها على أحكامه. وفي الحديث : «فإنّما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» ، فلا جرم أن كانت الاستقامة حائلا دون ذلك ، إذ الاستقامة هي العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قيد شبر. ومتعلقها العمل بالشريعة بعد الإيمان لأنّ الإيمان أصل فلا تتعلّق به الاستقامة. وقد أشار إلى صحّة هذا المعنى قول النبيصلىاللهعليهوسلم لأبي عمرة الثقفي لمّا قال له : «يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال : قل آمنت بالله ثم استقم» فجعل الاستقامة شيئا بعد الإيمان.