عليه من عدوى فساد خليطه فهو المنهي عنه بقوله بعد هذا : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣].
وعن الحسن البصري : جعل الله الدّين بين لاءين (وَلا تَطْغَوْا وَلا تَرْكَنُوا) [هود : ١١٣].
وجملة (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) استئناف لتحذير من أخفى الطغيان بأن الله مطلع على كل عمل يعمله المسلمون ، ولذلك اختير وصف (بَصِيرٌ) من بين بقية الأسماء الحسنى لدلالة مادته على العلم البين ودلالة صيغته على قوته.
(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣))
الرّكون : الميل والموافقة ، وفعله كعلم. ولعلّه مشتق من الركن ـ بضم فسكون ـ وهو الجنب ، لأنّ المائل يدني جنبه إلى الشيء الممال إليه. وهو هنا مستعار للموافق ، فبعد أن نهاهم عن الطغيان نهاهم عن التقارب من المشركين لئلّا يضلوهم ويزلوهم عن الإسلام.
و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هم المشركون. وهذه الآية أصل في سدّ ذرائع الفساد المحقّقة أو المظنونة.
والمسّ : مستعمل في الإصابة كما تقدّم في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) في آخر الأعراف [٢٠١] ، والمراد : نار العذاب في جهنّم.
وجملة (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) حال ، أي لا تجدون من يسعى لما ينفعكم.
و (ثُمَ) للتّراخي الرتبي ، أي ولا تجدون من ينصركم ، أي من يخفّف عنكم مسّ عذاب النّار أو يخرجكم منها.
و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق بأولياء لتضمينه معنى الحماة والحائلين.
وقد جمع قوله : (وَلا تَطْغَوْا) [هود : ١١٢] وقوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أصلي الدّين ، وهما : الإيمان والعمل الصالح ، وتقدّم آنفا قول الحسن : «جعل الله الدين بين لاءين (وَلا تَطْغَوْا) ، ولا تركنوا».