وتمام كلمة الرب مجاز في الصّدق والتحقّق ، كما تقدّم عند قوله تعالى : وتمت كلمات (رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) في سورة الأنعام [١١٥] ، فالمختلفون هم نصيب جهنم.
والكلمة هنا بمعنى الكلام. فكلمة الله : تقديره وإرادته. أطلق عليها (كَلِمَةُ) مجازا لأنّها سبب في صدور كلمة (كن) وهي أمر التكوين. وتقدّم تفصيله في قوله تعالى : وتمت كلمات (رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) في سورة الأنعام [١١٥].
وجملة (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) تفسير للكلمة بمعنى الكلام. وذلك تعبير عن الإرادة المعبّر عنها بالكلام النفسي.
ويجوز أن تكون الكلمة كلاما خاطب به الملائكة قبل خلق الناس فيكون (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) تفسيرا ل (كَلِمَةُ).
و (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) تبعيض ، أي لأملأن جهنم من الفريقين. و (أَجْمَعِينَ) تأكيد لشمول تثنية كلا النوعين لا لشمول جميع الأفراد لمنافاته لمعنى التبعيض الذي أفادته مَنْ).
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠))
هذا تذييل وحوصلة لما تقدّم من أنباء القرى وأنباء الرسل ...
فجملة (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) إلى آخرها عطف الإخبار على الإخبار والقصة على القصة ، ولك أن تجعل الواو اعتراضيّة أو استئنافية. وهذا تهيئة لاختتام السورة وفذلكة لما سيق فيها من القصص والمواعظ.
وانتصف (كُلًّا) على المفعولية لفعل (نَقُصُ). وتقديمه على فعله للاهتمام ولما فيه من الإبهام ليأتي بيانه بعده فيكون أرسخ في ذهن السامع.
وتنوين (كُلًّا) تنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف المبيّن بقوله : (مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ). فالتقدير : وكلّ نبأ عن الرسل نقصّه عليك ، فقوله : (مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) بيان للتّنوين الذي لحق (كلّا). و (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) بدل من (كُلًّا).
والقصص يأتي عند قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) في أوّل سورة يوسف [٣].