جعلناكم تخلفونهم في الأرض. وكون حرف (ثم) هنا عاطفا جملة على جملة تقتضي التراخي الرتبي لأن جعلهم خلائف أهم من إهلاك القرون قبلهم لما فيه من المنة عليهم ، ولأنه عوضهم بهم.
والخلائف : جمع خليفة. وتقدم في قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) في سورة الأنعام [١٦٥]. والمراد ب (الْأَرْضِ) بلاد العرب ، فالتعريف فيه للعهد ؛ لأن المخاطبين خلفوا عادا وثمودا وطسما وجديسا وجرهما في منازلهم على الجملة.
والنظر : مستعمل في العلم المحقق ، لأن النظر أقوى طرق المعرفة ، فمعنى (لِنَنْظُرَ) لنتعلم ، أي لنعلم علما متعلقا بأعمالكم. فالمراد بالعلم تعلقه التنجيزي.
و (كَيْفَ) اسم استفهام معلق لفعل العلم عن العمل ، وهو منصوب ب لِنَنْظُرَ) ، والمعنى في مثله : لنعلم جواب كيف تعلمون ، قال إياس بن قبيصة :
وأقبلت والخطى يخطر بيننا |
|
لا علم من جبانها من شجاعها |
أي (لا علم) جواب من (جبانها).
وإنما جعل استخلافهم في الأرض علة لعلم الله بأعمالهم كناية عن ظهور أعمالهم في الواقع إن كانت مما يرضي الله أو ممّا لا يرضيه فإذا ظهرت أعمالهم عملها الله علم الأشياء النافعة وإن كان يعلم أن ذلك سيقع علما أزليا ، كما أن بيت إياس بن قبيصة معناه ليظهر الجبان من الشجاع. وليس المقصود بتعليل الإقدام حصول علمه بالجبان والشجاع ولكنه كنّى بذلك عن ظهور الجبان والشجاع. وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) في سورة آل عمران [١٤٠].
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥))
عطف على جملة : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) [يونس : ١١] إلخ لأن ذلك ناشئ عن قولهم : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] كما تقدم فذلك أسلوب من أساليب التكذيب. ثم حكي في هذه الآية أسلوب آخر من أساليب تكذيبهم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يكون القرآن موحى إليه من الله تعالى