وقد جاء الجواب بأبلغ صيغ النفي وهو (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) أي ما يكون التبديل ملكا بيدي.
و (تِلْقاءِ) صيغة مصدر على وزن التفعال. وقياس وزن التفعال الشائع هو فتح التاء وقد شذ عن ذلك تلقاء ، وتبيان ، وتمثال ، بمعنى اللقاء والبيان والمثول فجاءت بكسر التاء لا رابع لها ، ثم أطلق التلقاء على جهة التلاقي ثم أطلق على الجهة والمكان مطلقا كقوله تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٢]. فمعنى (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) من جهة نفسي. وهذا المجرور في موضع الحال المؤكدة لجملة : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) وهي المسماة مؤكدة لغيرها إذ التبديل لا يكون إلا من فعل المبدل فليست تلك الحال للتقييد إذ لا يجوز فرض أن يبدّل من تلقاء الله تعالى التبديل الذي يرومونه ، فالمعنى أنه مبلغ لا متصرف.
وجملة : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) تعليل لجملة : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) أي ما أتبع إلا الوحي وليس لي تصرف بتغيير. و (ما) مصدرية. واتباع الوحي : تبليغ الحاصل به ، وهو الموصى به. والاتباع مجاز في عدم التصرف ، بجامع مشابهة ذلك للاتباع الذي هو عدم تجاوز الاقتفاء في المشي.
واقتضت (إن) النافية وأداة الاستثناء قصر تعلق الاتباع على ما أوحى الله وهو قصر إضافي ، أي لا أبلغ إلا ما أوحى إلي دون أن يكون المتبع شيئا مخترعا حتى أتصرف فيه بالتغيير والتبديل ، وقرينة كونه إضافيا وقوعه جوابا لرد اقتراحهم.
فمن رام أن يحتج بهذا القصر على عدم جواز الاجتهاد للنبي صلىاللهعليهوسلم فقد خرج بالكلام عن مهيعه.
وجملة : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) إلخ في موضع التعليل لجملة : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ولذلك فصلت عنها. واقترنت بحرف (إن) للاهتمام ، و (إنّ) تؤذن بالتعليل.
وقوله : (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) ، أي عصيته بالإتيان بقرآن آخر وتبديله من تلقاء نفسي.
ودل سياق الكلام على أن الإتيان بقرآن آخر غير هذا بمعنى إبطال هذا القرآن وتعويضه بغيره ، وأن تبديله بمعنى تغيير معاني وحقائق ما اشتمل عليه ممتنع.
ولذلك لم يلقن الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يقول هنا : إلا ما شاء الله ، أو نحو ذلك.
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ