ويجوز أن يراد بالناس العرب خاصة بقرينة الخطاب ويكون المراد تذكيرهم بعهد أبيهم إبراهيم عليهالسلام إذ كان هو وأبناؤه وذريتهم على الحنيفية والتوحيد كما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف : ٢٦ ـ ٢٨] ، أي في عقبه من العرب ، فيكون التعريف للعهد.
وجملة : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) إخبار بأن الحق واحد ، وأن ذلك الاختلاف مذموم ، وأنه لو لا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستيصال المبطل وإبقاء المحق. وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة الشورى [١٤] بقوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ).
والأجل : هو أجل بقاء الأمم ، وذلك عند انقراض العالم ، فالقضاء بينهم إذن مؤخر إلى يوم الحساب. وأصرح من ذلك في بيان معنى (الكلمة) قوله في سورة هود [١١٨]وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وسيأتي بيانها.
وتقديم المجرور في قوله : (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) للرعاية على الفاصلة.
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
عطف على جملة : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) [يونس : ١٨] ، فبعد أن ذكر افتراءهم في جانب الإلهية نفي بهتانهم في جانب النبوءة.
والضمير في (عَلَيْهِ) عائد للنبي صلىاللهعليهوسلم وإن لم يجر له ذكر قبل ذلك في الآية ، فإن معرفة المراد من الضمير مغنية عن ذكر المعاد. وقد كان ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم بينهم في نواديهم ومناجاتهم في أيام مقامه بينهم بعد البعثة هو شغلهم الشاغل لهم ، وقد أجرى في كلامهم ضمير الغيبة بدون سبق معاد ، علم المتخاطبون أنه المقصود. ونظير هذا كثير في القرآن.
و (لو لا) في قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) حرف تحضيض ، وشأن التحضيض أن يواجه به المحضض لأن التحضيض من الطلب وشأن الطلب أن يواجه به المطلوب ، ولذلك كان تعلق فعل الإنزال بضمير الغائب في هذه الآية مؤولا بأحد وجهين :