و (حَتَّى) غاية للتسيير. وهي هنا ابتدائية أعقبت بحرف المفاجأة وجوابه ، والجملة والغاية هي مفاد جواب (إِذا) وهو قوله : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) ، فمجيء الريح العاصف هو غاية التسيير الهنيء المنعم به ، إذ حينئذ ينقلب التسيير كارثة ومصيبة.
والفلك : اسم لمركب البحر ، واسم جمع له بصيغة واحدة. وقد تقدم عند قوله تعالى: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) في سورة البقرة [١٦٤]. وهو هنا مراد به الجمع.
والجري : السير السريع في الأرض أو في البحر ، قال تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) [هود : ٤١] والظاهر أنه حقيقة فيهما.
والريح مؤنثة في كلام العرب. وتقدم في قوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) في سورة الأعراف [٥٧]. والطيبة : الملائمة الرفيقة بالراكبين.
والطيب : الموصوف بالطيب الشديد. وأصل معنى الطيب الملاءمة فيما يراد من الشيء ، كقوله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧] ، ويقال : طاب له المقام في مكان كذا. ومنه سمي الشيء الذي له ريح وعرف طيبا.
وجملة : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) جواب (إِذا). وفي ذكر جريهن بريح طيبة وفرحهم بها إيماء إلى أن مجيء العاصفة حدث فجأة دون توقع من دلالة علامات النوتية كما هو الغالب. وفيه إيماء إلى أن ذلك بتقدير مراد لله تعالى ليخوفهم ويذكرهم بوحدانيته. وضمير (جاءَتْها) عائد إلى (الْفُلْكِ) لأن جمع غير العاقل يعامل معاملة المفرد المؤنث.
والعاصف : وصف خاص بالريح ، أي شديدة السرعة. وإنما لم تلحقه علامة التأنيث لأنه مختص بوصف الريح فاستغنى عن التأنيث ، مثل : نافس وحائض ومرضع ، فشاع استعماله كذلك ، وذكر وصفا للريح فبقي لا تلحقه التاء. وقالوا : إنما لم تلحقه التاء لأنه في معنى النسب ، مثل : لابن ، وتامر. وفيه نظر.
ومعنى (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من كل جهة من جهات الفلك ، فالابتداء الذي تفيده (من) ابتداء الأمكنة المتجهة إلى الفلك.
ومعنى (أُحِيطَ بِهِمْ) أخذوا وأهلكوا ، فالعرب يقولون : أحاط العدو بالقبيلة إذا تمكن منها وغلبها ، لأن الإحاطة بها تدل على الإحداق بها وتطويقها. ولما كان ذلك هزيمة وامتلاكا لها صار ترتيب (أُحِيطَ بِهِمْ) استعارة تمثيلية للهلاك كما تقدم في قوله