إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام : ٤٤] لا سيما وقد ضرب هذا المثل لتمتع الكافرين ببغيهم وإمهالهم عليه ، ويزيد تلك الإشارة وضوحا قوله : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) المؤذن بأن أهلها مقصودون بتلك الإصابة.
ومعنى : (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) أنهم مستمرون على الانتفاع بها محصلون لثمراتها ، فأطلق على التمكن من الانتفاع ودوامه لفظ القدرة على وجه الاستعارة.
والحصيد : المحصود ، وهو الزرع المقطوع من منابته. والإخبار عن الأرض بحصيد على طريقة المجاز العقلي وإنما المحصود نباتها. ومعنى (لَمْ تَغْنَ) لم تعمر ، أي لم تعمر بالزرع. يقال : غني المكان إذا عمر. ومنه المغني للمكان المأهول. وضد أغنى أقفر المكان.
والباء في (بِالْأَمْسِ) للظرفية. والأمس : اليوم الذي قبل يومك. واللام فيه مزيدة لتملية اللفظ مثل التي في كلمة الآن. والمراد بالأمس في الآية مطلق الزمن الذي مضى لأن أمس يستعمل بمعنى ما مضى من الزمان ، كما يستعمل الغد في معنى المستقبل واليوم في معنى الحال. وجمعها قول زهير :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عم |
وجملة : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) إلى آخرها تذييل جامع ، أي مثل هذا التفصيل نفصل أي نبين الدلالات كلها الدالة على عموم العلم والقدرة وإتقان الصنع. فهذه آية من الآيات المبينة وهي واحدة من عموم الآيات. وتقدم نظيره في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الأنعام [٥٥].
واللام في (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لام الأجل.
والتفكر : التأمل والنظر ، وهو تفعل مشتق من الفكر ، وقد مر عند قوله تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) في سورة الأنعام [٥٠]. وفيه تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بالآيات ليسوا من أهل التفكر ولا كان تفصيل الآيات لأجلهم. وتقدم ذكر لفظ القوم غير مرة في هذه السورة.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))
الجملة معطوفة على جملة (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : ٢٤] ، أي