(الر)
تقدم القول في الحروف الواقعة في فواتح بعض السور في أول سورة البقرة فهي بمنزلة الأعداد المسرودة ، لا محل لها من الإعراب ، ولا ينطق بها إلا على حال السكت ، وحال السكت يعامل معاملة الوقف ، فلذلك لا يمد اسم را في الآية ، وإن كان هو في اللغة بهمزة في آخره لأنه بالسكت تحذف الهمزة كما تحذف في الوقف لثقل السكوت على الهمزة في الوقف والسكت ، فبذلك تصير الكلمة على حرفين فلا تمد. ولذلك أجمع القراء على عدم مد الحروف : را. ها. يا. طا. حا. التي في أوائل السور وإن كانت تلك الأسماء ممدودة في استعمال اللغة.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ)
اسم الإشارة يجوز أن يكون مرادا به جميع آي القرآن التي نزلت قبل هذه السورة باعتبار حضور تلك الآيات في أذهان الناس من المؤمنين وغيرهم ، فكأنها منظورة مشاهدة ، فصحت الإشارة إليها إذ هي متلوة محفوظة فمن شاء أن يسمعها ويتدبرها أمكنه ذلك ولأن الخوض في شأنها هو حديث الناس في نواديهم وأسمارهم وشغلهم وجدالهم ، فكانت بحيث تتبادر إلى الأذهان عند ورود الإشارة إليها.
واسم الإشارة يفسر المقصود منه خبره وهو (آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) كما فسره في قوله تعالى : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) [الروم : ٥٦] وقوله تعالى : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨]. قال في «الكشاف» : تصوّر فراقا بينهما سيقع قريبا فأشار إليه بهذا.
وقد تقدم شيء من هذا المعنى عند قوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) في سورة الأنعام [٨٨]. فالمقصود من الإشارة إما الحث على النظر في آيات القرآن ليتبين لهم أنه من عند الله ويعلموا صدق من جاءهم به. وإما إقناعهم من الآيات الدالة على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم بآيات الكتاب الحكيم فإنهم يسألون النبي آية على صدقه ، كما دل عليه قوله في هذه السورة [يونس : ١٥] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) فقيل لهم (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ، أي ما هو آية واحدة بل آيات كثيرة ، فإن الإعجاز حاصل بكل سورة منه.
ولأنه اشتمل على الحقائق السامية والهدى إلى الحق والحكمة ؛ فرجل أمي ينشأ في أمة جاهلة يجيء بمثل هذا الهدى والحكمة لا يكون إلا موحى إليه بوحي إلهي ، كما دل