[يونس : ٤٠].
والظن : يطلق على مراتب الإدراك ، فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه شك ، كما في قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ٤٥ ، ٤٦] ؛ ويطلق على الاعتقاد المشوب بشك. ويظهر أنه حقيقة في هذا الثاني وأنه مجاز في الأول لكنه في الأول شائع فصار كالمشترك. وقد تقدم في سورة البقرة عند الكلام على الآية المذكورة. ومنه قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في سورة الأعراف [٦٦] ، وقوله : وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) في سورة براءة [١١٨].
وقد أطلق مجازا على الاعتقاد المخطئ ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات : ١٢] وقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
والظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطئ أو الجهل المركب والتخيلات الباطلة ، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث». وقد يطلق على الظن الحصيبي كقوله تعالى : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) [النور : ١٢] وقوله تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات : ١٢]. وهذا المعنى هو المصطلح عليه عند علماء أصول الدين وأصول الفقه. وهو العلم المستند إلى دليل راجع مع احتمال الخطإ احتمالا ضعيفا. وهذا الظن هو مناط التكليف بفروع الشريعة.
فوجه الجمع بين هذه المتعارضات إعمال كل في مورده اللائق به بحسب مقامات الكلام وسياقه ، فمحمل قوله هنا : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أن العلم المشوب بشك لا يغني شيئا في إثبات الحق المطلوب وذلك ما يطلب فيه الجزم واليقين من العلوم الحاصلة بالدليل العقلي لأن الجزم فيها ممكن لمن أعمل رأيه إعمالا صائبا إذ الأدلة العقلية يحصل منها اليقين ، فأما ما طريق تحصيله الأدلة الظاهرة التي لا يتأتى اليقين بها في جميع الأحوال فذلك يكتفي فيه بالظن الراجح بعد إعمال النظر وهو ما يسمى بالاجتهاد.
و (ظَنًّا) منصوب على المفعولية به ل (يَتَّبِعُ). ولما كان الظن يقتضي مظنونا كان اتباع الظن اتباعا للمظنون أي يتبعون شيئا لا دليل عليه إلا الظن ، أي الاعتقاد الباطل.