عليه قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : ٤٨].
وعليه فاسم الإشارة مبتدأ و (آياتُ) خبره. وإضافة (آياتُ) إلى (الْكِتابِ) إضافة شبيهة بالبيانية وإن كان الكتاب بمنزلة الظرف للآيات باختلاف الاعتبار ، وهو معنى الإضافة البيانية عند التحقيق.
ويجوز أن تجعل الإشارة ب (تِلْكَ) إلى حروف (الر) لأن المختار في الحروف المقطعة في فواتح السور أن المقصود من تعدادها التحدي بالإعجاز ، فهي بمنزلة التهجي للمتعلم. فيصح أن يجعل (الر) في محل ابتداء ويكون اسم الإشارة خبرا عنه. والمعنى تلك الحروف آيات الكتاب الحكيم ، أي من جنسها حروف الكتاب الحكيم ، أي جميع تراكيبه من جنس تلك الحروف.
والمقصود تسجيل عجزهم عن معارضته بأن آيات الكتاب الحكيم كلها من جنس حروف كلامهم فما لكم لا تستطيعون معارضتها بمثلها إن كنتم تكذّبون بأن الكتاب منزل من عند الله ، فلو لا أنه من عند الله لكان اختصاصه بهذا النظم المعجز دون كلامهم محالا إذ هو مركب من حروف كلامهم.
والكتاب : القرآن. فالتعريف فيه للعهد. ويجوز جعل التعريف دالا على معنى الكمال في الجنس ، كما تقول : أنت الرجل.
والحكيم : وصف إما بمعنى فاعل ، أي الحاكم على الكتب بتمييز صحيحها من محرفها ، مثل قوله : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨] ، وقوله : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة : ٢١٣].
وإما بمعنى مفعل بفتح العين ، أي محكم ، مثل عتيد ، بمعنى معد.
وإما بمعنى ذي الحكمة لاشتماله على الحكمة والحق والحقائق العالية ، إذ الحكمة هي إصابة الحق بالقول والعمل فوصف بوصف ذي الحكمة من الناس على سبيل التوسع الناشئ عن البليغ كقول الأعشى :
وغريبة تأتي الملوك حكيمة |
|
قد قلتها ليقال من ذا قالها |
وإما أن يكون وصف بوصف منزّله المتكلم به ، كما مشى عليه صاحب «الكشاف» عند قوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [يس : ١ ، ٣].