هذا ما وقع في الحديث «وإنما أحلّت لي ساعة من نهار» ، والمقصود ساعة من الزمان وهي الساعة التي يقع فيها قتال أهل مكة من غير التفات إلى تقييد بكونه في النهار وإن كان صادف أنه في النهار.
والساعة : المقدار من الزمان ، والأكثر أن تطلق على الزمن القصير إلا بقرينة ، وتقدم عند قوله تعالى : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) في سورة الأعراف [٣٤].
ووجه الشبه بين حال زمن لبثهم في القبور وبين لبث ساعة من النهار وجوه : هي التحقق والحصول ، بحيث لم يمنعهم طول الزمن من الحشر ، وأنهم حشروا بصفاتهم التي عاشوا عليها في الدنيا فكأنهم لم يفنوا. وهذا اعتبار بعظيم قدرة الله على إرجاعهم.
والمقصود من التشبيه التعريض بإبطال دعوى المشركين إحالتهم البعث بشبهة أن طول اللبث وتغير الأجساد ينافي إحياءها (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) [النازعات : ١٠ ، ١١].
وجملة : (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) حال من الضمير المنصوب في نحشرهم.
والتعارف : تفاعل من عرف ، أي يعرف كل واحد منهم يومئذ من كان يعرفه في الدنيا ويعرفه الآخر كذلك.
والمقصود من ذكر هذه الحال كالمقصود من ذكر حالة (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) لتصوير أنهم حشروا على الحالة التي كانوا عليها في الدنيا في أجسامهم وإدراكهم زيادة في بيان إبطال إحالتهم البعث بشبهة أنه ينافي تمزق الأجسام في القبور وانطفاء العقول بالموت.
فظهر خسرانهم يومئذ بأنهم نفوا البعث فلم يستعدوا ليومه بقبول ما دعاهم إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم.
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦))
كان ذكر تكذيبهم الذي جاء في صدر السورة بقوله : (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) لسحر مبين [يونس : ٢] ، ثم الوعيد عليه بعذاب يحل بهم ، والإشارة إلى أنهم كذبوا بالوعيد في قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) إلى قوله : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١١ ـ ١٤] منذرا