تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [سورة الكهف : ٦٤]. وذلك أنّ حكاية أخبار الماضين تشبه اتّباع خطاهم ، ألا ترى أنّهم سمّوا الأعمال سيرة وهي في الأصل هيئة السّير ، وقالوا : سار فلان سيرة فلان ، أي فعل مثل فعله ، وقد فرّقوا بين هذا الإطلاق المجازي وبين قصّ الأثر فخصّوا المجازي بالصّدر المفكّك وغلبوا المصدر المدغم على المعنى الحقيقيّ مع بقاء المصدر المفكك أيضا كما في قوله : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً).
ف (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) هنا إمّا مفعول مطلق مبيّن لنوع فعله ، وإمّا أن يكون القصص بمعنى المفعول من إطلاق المصدر وإرادة المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق ، وهو إطلاق للقصص شائع أيضا. قال تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [سورة يوسف : ١١١]. وقد يكون وزن فعل بمعنى المفعول كالنّبإ والخبر بمعنى المنبّأ به والمخبّر به ، ومثله الحسب والنقض.
وجعل هذا القصص أحسن القصص لأنّ بعض القصص لا يخلو عن حسن ترتاح له النفوس. وقصص القرآن أحسن من قصص غيره من جهة حسن نظمه وإعجاز أسلوبه وبما يتضمّنه من العبر والحكم ، فكلّ قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه ، وكلّ قصة في القرآن هي أحسن من كلّ ما يقصّه القاصّ في غير القرآن. وليس المراد أحسن قصص القرآن حتى تكون قصّة يوسف ـ عليهالسلام ـ أحسن من بقيّة قصص القرآن كما دلّ عليه قوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ).
والباء في (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) للسببيّة متعلّقة ب (نَقُصُ) ، فإنّ القصص الوارد في القرآن كان أحسن لأنّه وارد من العليم الحكيم ، فهو يوحي ما يعلم أنّه أحسن نفعا للسّامعين في أبدع الألفاظ والتراكيب ، فيحصل منه غذاء العقل والروح وابتهاج النفس والذّوق ممّا لا تأتي بمثله عقول البشر.
واسم الإشارة لزيادة التمييز ، فقد تكرّر ذكر القرآن بالتّصريح والإضمار واسم الإشارة ستّ مرّات ، وجمع له طرق التعريف كلّها وهي اللّام والإضمار والعلمية والإشارة والإضافة.
وجملة (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) في موضع الحال من كاف الخطاب. وحرف (إِنْ) مخفّف من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف.