يبقى غريبا لو لا خوفه من أبيه ، ولا يرضى بقية أشقائه أن يكيدوا له كما يكيدون لغير الشقيق.
وقوله : (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) ترديد بين ما رسمه هو لنفسه وبين ما عسى أن يكون الله قد قدره له مما لا قبل له بدفعه ، فحذف متعلّق (يَحْكُمَ) المجرور بالباء لتنزيل فعل (يَحْكُمَ) منزلة ما لا يطلب متعلقا.
واللام للأجل ، أي يحكم الله بما فيه نفعي. والمراد بالحكم التقدير.
وجملة (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) تذييل. و (خَيْرُ الْحاكِمِينَ) إن كان على التعميم فهو الذي حكمه لا جور فيه أو الذي حكمه لا يستطيع أحد نقضه ، وإن كان على إرادة وهو خير الحاكمين لي فالخبر مستعمل في الثناء للتعريض بالسؤال أن يقدر له ما فيه رأفة في رد غربته.
وعدم التعرّض لقول صدر من بنيامين يدافع به عن نفسه يدل على أنه لازم السكوت لأنه كان مطلعا على مراد يوسف ـ عليهالسلام ـ من استبقائه عنده ، كما تقدم في قوله : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) [يوسف : ٦٩].
ثم لقّنهم كبيرهم ما يقولون لأبيهم. ومعنى (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) احتراس من تحقق كونه سرق ، وهو إما لقصد التلطف مع أبيهم في نسبة ابنه إلى السرقة وإما لأنهم علموا من أمانة أخيهم ما خالجهم به الشك في وقوع السرقة منه.
والغيب : الأحوال الغائبة عن المرء. والحفظ : بمعنى العلم.
وسؤال القرية مجاز عن سؤال أهلها. والمراد بها مدينة مصر. والمدينة والقرية مترادفتان. وقد خصت المدينة في العرف بالقرية الكبيرة.
والمراد بالعير التي كانوا فيها رفاقهم في عيرهم القادمين إلى مصر من أرض كنعان ، فأما سؤال العير فسهل وأما سؤال القرية فيكون بالإرسال أو المراسلة أو الذهاب بنفسه إن أراد الاستثبات.
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣))
جعلت جملة (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) في صورة الجواب عن الكلام الذي لقّنه أخوهم