على طريقة الإيجاز. والتقدير : فرجعوا إلى أبيهم فقالوا ذلك الكلام الذي لقّنه إيّاهم (روبين) قال أبوهم : (بَلْ سَوَّلَتْ ...) إلخ.
وقوله هنا كقوله لهم حين زعموا أن يوسف ـ عليهالسلام ـ أكله الذئب ، فهو تهمة لهم بالتغرير بأخيهم. قال ابن عطية : ظنّ بهم سوءا فصدق ظنّه في زعمهم في يوسف ـ عليهالسلام ـ ولم يتحقق ما ظنّه في أمر بنيامين ، أي أخطأ في ظنه بهم في قضية (بنيامين) ، ومستنده في هذا الظن علمه أن ابنه لا يسرق ، فعلم أن في دعوى السرقة مكيدة. فظنه صادق على الجملة لا على التفصيل. وأما تهمته أبناءه بأن يكونوا تمالئوا على أخيهم بنيامين فهو ظن مستند إلى القياس على ما سبق من أمرهم في قضية يوسف ـ عليهالسلام ـ فإنه كان قال لهم : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) سورة يوسف [٦٤]. ويجوز على النبي الخطأ في الظنّ في أمور العادات كما جاء في حديث ترك إبّار النخل.
ولعله اتّهم روبين أن يكون قد اختفى لترويج دعوى إخوته. وضمير (بِهِمْ) ليوسف ـ عليهالسلام ـ وبنيامين وروبين. وهذا كشف منه إذ لم ييأس من حياة يوسف ـ عليهالسلام ـ.
وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) تعليل لرجائه من الله بأن الله عليم فلا تخفى عليه مواقعهم المتفرقة. حكيم فهو قادر على إيجاد أسباب جمعهم بعد التفرق.
[٨٥ ـ ٨٦] (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧))
انتقال إلى حكاية حال يعقوب ـ عليهالسلام ـ في انفراده عن أبنائه ومناجاته نفسه ، فالتولي حاصل عقب المحاورة. و (تَوَلَّى) : انصرف ، وهو انصراف غضب.
ولمّا كان التولّي يقتضي الاختلاء بنفسه ذكر من أحواله تجدد أسفه على يوسف ـ عليهالسلام ـ فقال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) والأسف ؛ أشد الحزن ، أسف كحزن.