وأكد هذا الخبر بإن واللام لأنه مظنة الإنكار ولذلك أعقبه ب (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ).
وجواب (لَوْ لا) محذوف دلّ عليه التأكيد ، أي لو لا أن تفندوني لتحققتم ذلك.
والتفنيد : النسبة للفند بفتحتين ، وهو اختلال العقل من الخرف.
وحذفت ياء المتكلم تخفيفا بعد نون الوقاية وبقيت الكسرة.
والذين قالوا : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) هم الحاضرون من أهله ولم يسبق ذكرهم لظهور المراد منهم وليسوا أبناءه لأنهم كانوا سائرين في طريقهم إليه.
والضلال : البعد عن الطريق الموصّلة. والظرفية مجاز في قوة الاتّصاف والتلبّس وأنه كتلبس المظروف بالظرف. والمعنى : أنك مستمر على التلبس بتطلب شيء من غير طريقه. أرادوا طمعه في لقاء يوسف ـ عليهالسلام ـ. ووصفوا ذلك بالقديم لطول مدّته ، وكانت مدة غيبة يوسف عن أبيه ـ عليهماالسلام ـ اثنتين وعشرين سنة. وكان خطابهم إياه بهذا مشتملا على شيء من الخشونة إذ لم يكن أدب عشيرته منافيا لذلك في عرفهم.
و (أَنْ) في قوله : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) مزيدة للتأكيد. ووقوع (أَنْ) بعد (فَلَمَّا) التوقيتية كثير في الكلام كما في «مغني اللّبيب».
وفائدة التأكيد في هذه الآية تحقيق هذه الكرامة الحاصلة ليعقوب عليهالسلام لأنها خارق عادة ، ولذلك لم يؤت ب (أَنْ) في نظائر هذه الآية مما لم يكن فيه داع للتأكيد.
والبشير : فعيل بمعنى مفعل ، أي المبشر ، مثل السميع في قول عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
والتبشير : المبادرة بإبلاغ الخبر المسرّ بقصد إدخال السرور. وتقدم عند قوله تعالى : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) في سورة براءة [٢١]. وهذا البشير هو يهوذا بن يعقوبعليهالسلام تقدم بين يدي العير ليكون أول من يخبر أباه بخبر يوسف عليهالسلام.
وارتد : رجع ، وهو افتعال مطاوع ردّه ، أي رد الله إليه قوة بصره كرامة له وليوسفعليهماالسلام وخارق للعادة. وقد أشرت إلى ذلك عند قوله تعالى : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) [سورة يوسف : ٨٤].