يَشْعُرُونَ (١٠٧))
اعتراض بالتفريع على ما دلت عليه الجملتان قبله من تفظيع حالهم وجرأتهم على خالقهم والاستمرار على ذلك دون إقلاع ، فكأنهم في إعراضهم عن توقع حصول غضب الله بهم آمنون أن تأتيهم غاشية من عذابه في الدنيا أو تأتيهم الساعة بغتة فتحول بينهم وبين التوبة ويصيرون إلى العذاب الخالد.
والاستفهام مستعمل في التوبيخ.
والغشي والغشيان : الإحاطة من كل جانب (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) [سورة لقمان : ٣٢]. وتقدم في قوله تعالى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) في [سورة الأعراف : ٥٤].
والغاشية الحادثة التي تحيط بالناس. والعرب يؤنثون هذه الحوادث مثل الطّامة والصاخة والداهية والمصيبة والكارثة والحادثة والواقعة والحاقة. والبغتة : الفجأة.
وتقدمت عند قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) في آخر سورة الأنعام[٣١].
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))
استئناف ابتدائي للانتقال من الاعتبار بدلالة نزول هذه القصة للنبيصلىاللهعليهوسلم الأمّيّ على صدق نبوءته وصدقه فيما جاء به من التوحيد إلى الاعتبار بجميع ما جاء به من هذه الشريعة عن الله تعالى ، وهو المعبّر عنه بالسبيل على وجه الاستعارة لإبلاغها إلى المطلوب وهو الفوز الخالد كإبلاغ الطريق إلى المكان المقصود للسائر ، وهي استعارة متكررة في القرآن وفي كلام العرب.
والسبيل يؤنث كما في هذه الآية ، ويذكّر أيضا كما تقدم عند قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) في سورة الأعراف [١٤٦].
والجملة استئناف ابتدائي معترضة بين الجمل المتعاطفة.
والإشارة إلى الشريعة بتنزيل المعقول منزلة المحسوس لبلوغه من الوضوح للعقول حدا لا يخفى فيه إلا عمّن لا يعدّ مدركا.
وما في جملة (هذِهِ سَبِيلِي) من الإبهام قد فسرته جملة (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى