بَصِيرَةٍ).
و (عَلى) فيه للاستعلاء المجازي المراد به التمكن ، مثل «على هدى من ربهم». والبصيرة : فعيلة بمعنى فاعلة ، وهي الحجة الواضحة ، والمعنى : أدعو إلى الله ببصيرة متمكنا منها ، ووصف الحجة ببصيرة مجاز عقلي ، والبصير : صاحب الحجة لأنه بها صار بصيرا بالحقيقة. ومثله وصف الآية بمبصرة في قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) [سورة النمل: ١٣]. وبعكسه يوصف الخفاء بالعمى كقوله : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) [سورة هود : ٢٨].
وضمير (أَنَا) تأكيد للضمير المستتر في (أَدْعُوا) ، أتي به لتحسين العطف بقوله : (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، وهو تحسين واجب في اللغة.
وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون. وقد قاموا بذلك بوسائل بث القرآن وأركان الإسلام والجهاد في سبيل الله. وقد كانت الدعوة إلى الإسلام في صدر زمان البعثة المحمدية واجبا على الأعيان لقول النبي صلىاللهعليهوسلم «بلّغوا عنّي ولو آية» أي بقدر الاستطاعة. ثم لمّا ظهر الإسلام وبلغت دعوته الأسماع صارت الدعوة إليه واجبا على الكفاية كما دل عليه قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) الآية في سورة آل عمران [١٠٤].
وعطفت جملة (وَسُبْحانَ اللهِ) على جملة (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ، أي أدعو إلى الله وأنزهه.
وسبحان : مصدر التسبيح جاء بدلا عن الفعل للمبالغة. والتقدير : وأسبح الله سبحانا ، أي أدعو الناس إلى توحيده وطاعته وأنزّهه عن النقائص التي يشرك بها المشركون من دعاء الشركاء ، والولد ، والصاحبة.
وجملة (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بمنزلة التذييل لما قبلها لأنها تعمّ ما تضمنته.
[١٠٩ ، ١١٠] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠))