عطف على جملة (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) [سورة يوسف : ١٠٣] إلخ. هاتان الآيتان متّصل معناهما بما تضمنه قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [سورة يوسف : ١٠٢] إلى قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [سورة يوسف : ١٠٤] وقوله: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) الآية [سورة يوسف : ١٠٨] ، فإن تلك الآي تضمنت الحجة على صدق الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ فيما جاءهم به ، وتضمنت أن الذين أشركوا غير مصدقينه عنادا وإعراضا عن آيات الصدق. فالمعنى أن إرسال الرسل ـ عليهمالسلام ـ سنّة إلهية قديمة فلما ذا يجعل المشركون نبوءتك أمرا مستحيلا فلا يصدّقون بها مع ما قارنها من آيات الصدق فيقولون : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً). وهل كان الرسل ـ عليهمالسلام ـ السابقون إلا رجالا من أهل القرى أوحى الله إليهم فبما ذا امتازوا عليك ، فسلم المشركون ببعثتهم وتحدّثوا بقصصهم وأنكروا نبوءتك.
وراء هذا معنى آخر من التذكير باستواء أحوال الرسل ـ عليهمالسلام ـ وما لقوه من أقوامهم فهو وعيد باستواء العاقبة للفريقين.
و (مِنْ قَبْلِكَ) يتعلق ب (أَرْسَلْنا) ف (مِنْ) لابتداء الأزمنة فصار ما صدق القبل الأزمنة السابقة ، أي من أول أزمنة الإرسال. ولو لا وجود (مِنْ) لكان (قَبْلِكَ) في معنى الصفة للمرسلين المدلول عليهم بفعل الإرسال.
والرجال : اسم جنس جامد لا مفهوم له. وأطلق هنا مرادا به أناسا كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ، أي إنسان أو شخص ، فليس المراد الاحتراز عن المرأة. واختير هنا دون غيره لمطابقته الواقع فإن الله لم يرسل رسلا من النساء لحكمة قبول قيادتهم في نفوس الأقوام إذ المرأة مستضعفة عند الرجال دون العكس ؛ ألا ترى إلى قول قيس بن عاصم حين تنبأت سجاح :
أضحت نبيئتنا أنثى نطيف بها |
|
وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا |
وليس تخصيص الرجال وأنهم من أهل القرى لقصد الاحتراز عن النساء ومن أهل البادية ولكنه لبيان المماثلة بين من سلّموا برسالتهم وبين محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين قالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] و (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) [القصص : ٤٨] ، أي فما كان محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بدعا من الرسل حتى تبادروا بإنكار رسالته وتعرضوا عن النظر في آياته.
فالقصر إضافي ، أي لم يكن الرسل ـ عليهمالسلام ـ قبلك ملائكة أو ملوكا من