حجة على المكذبين ، فتقدير المعنى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فكذبهم المرسل إليهم واستمروا على التكذيب حتى إذا استيأس الرسل إلى آخره ، فإن (إِذَا) اسم زمان مضمن معنى الشرط فهو يلزم الإضافة إلى جملة تبين الزمان ، وجملة (اسْتَيْأَسَ) مضاف إليها (إِذَا) ، وجملة (جاءَهُمْ نَصْرُنا) جواب (إِذَا) لأن هذا الترتيب في المعنى هو المقصود من جلب (إِذَا) في مثل هذا التركيب. والمراد بالرسل ـ عليهمالسلام ـ غير المراد ب (رِجالاً) ، فالتعريف في الرسل ـ عليهمالسلام ـ تعريف العهد الذكريّ وهو من الإظهار في مقام الإضمار لإعطاء الكلام استقلالا بالدلالة اهتماما بالجملة.
وآذن حرف الغاية بمعنى محذوف دل عليه جملة (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) بما قصد بها من معنى قصد الإسوة بسلفه من الرسل ـ عليهمالسلام ـ. والمعنى : فدام تكذيبهم وإعراضهم وتأخر تحقيق ما أنذروهم به من العذاب حتى اطمأنوا بالسلامة وسخروا بالرسل وأيس الرسل ـ عليهمالسلام ـ من إيمان قومهم.
و (اسْتَيْأَسَ) مبالغة في يئس ، كما تقدم آنفا في قوله : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) [سورة يوسف : ٨٧].
وتقدم أيضا قراءة البزي بخلاف عنه بتقديم الهمزة على الياء. فهذه أربع كلمات في هذه السورة خالف فيها البزي رواية عنه.
وفي «صحيح البخاري» عن عروة أنه سأل عائشة ـ رضياللهعنها ـ : «أكذبوا أم كذّبوا ـ أي بالخفيف أم بالشدّ ـ ؛ قالت : كذّبوا ـ أي بالشد ـ قال : فقد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن فهي (قَدْ كُذِبُوا) ـ أي بالتخفيف ـ ، قالت : معاذ الله لم يكن الرسل ـ عليهمالسلام ـ تظن ذلك بربها وإنما هم أتباع الذين آمنوا وصدقوا فطال عليهم البلاء واستأخر النصر حتى إذا استيأس الرسل ـ عليهمالسلام ـ من إيمان من كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل ـ عليهمالسلام ـ أن أتباعهم مكذّبوهم» اه. وهذا الكلام من عائشة ـ رضياللهعنها ـ رأي لها في التفسير وإنكارها أن تكون (كُذِبُوا) مخففة إنكار يستند بما يبدو من عود الضمائر إلى أقرب مذكور وهو الرسل ، وذلك ليس بمتعيّن ، ولم تكن عائشة قد بلغتها رواية (كُذِبُوا) بالتخفيف.
وتفريع فننجي من نشاء على (جاءَهُمْ نَصْرُنا) لأن نصر الرسل ـ عليهمالسلام ـ هو تأييدهم بعقاب الذين كذبوهم بنزول العذاب وهو البأس ، فينجي الله الذين آمنوا ولا يردّ البأس عن القوم المجرمين.