وجيء في جمع راس بوزن فواعل لأن الموصوف به غير عاقل ، ووزن فواعل يطرد فيما مفرده صفة لغير عاقل مثل : صاهل وبازل.
والاستدلال بخلق الجبال على عظيم القدرة لما في خلقها من العظمة المشاهدة بخلاف خلقة المعادن والتراب فهي خفية ، كما قال تعالى : (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية : ١٩].
والأنهار : جمع نهر ، وهو الوادي العظيم. وتقدم في سورة البقرة : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) [٢٤٩].
وقوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) عطف على (أَنْهاراً) فهو معمول ل (جَعَلَ فِيها رَواسِيَ). ودخول (مِنْ) على (كُلِ) جرى على الاستعمال العربي في ذكر أجناس غير العاقل كقوله : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ). و (مِنَ) هذه تحمل على التبعيض لأن حقائق الأجناس لا تنحصر والموجود منها ما هو إلا بعض جزئيات الماهية لأن منها جزئيات انقضت ومنها جزئيات ستوجد.
والمراد ب (الثَّمَراتِ) هي وأشجارها. وإنما ذكرت (الثَّمَراتِ) لأنها موقع منة مع العبرة كقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [سورة الأعراف : ٥٧]. فينبغي الوقف على (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، وبذلك انتهى تعداد المخلوقات المتصلة بالأرض. وهذا أحسن تفسيرا. ويعضده نظيره في قوله تعالى : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في سورة النحل [١١].
وقيل إن قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ابتداء كلام.
وتتعلق (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ب (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ، وبهذا فسر أكثر المفسرين. ويبعده أنه لا نكتة في تقديم الجار والمجرور على عامله على ذلك التقدير ، لأن جميع المذكور محل اهتمام فلا خصوصية للثمرات هنا ، ولأن الثمرات لا يتحقق فيها وجود أزواج ولا كون الزوجين اثنين. وأيضا فيه فوات المنة بخلق الحيوان وتناسله مع أن منه معظم نفعهم ومعاشهم. ومما يقرب ذلك قوله تعالى في نحو هذا المعنى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَالْجِبالَ أَوْتاداً* وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) [النبأ : ٦ ـ ٨]. والمعروف أن الزوجين هما الذكر والأنثى قال تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [سورة القيامة : ٣٩].
والظاهر أن جملة (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ) مستأنفة للاهتمام بهذا الجنس من