الآيات منزّلون منزلة من لا يعقل وزيد في الدلالة على أن العقل سجية للذين انتفعوا بتلك الآيات بإجراء وصف العقل على كلمة (لِقَوْمٍ) إيماء إلى أن العقل من مقومات قوميتهم كما بيناه في الآية قبلها.
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥))
عطف على جملة (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد : ٢] فلما قضي حق الاستدلال على الوحدانية نقل الكلام إلى الردّ على منكري البعث وهو غرض مستقل مقصود من هذه السورة. وقد أدمج ابتداء خلال الاستدلال على الوحدانية بقوله : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد : ٢] تمهيدا لما هنا ، ثم نقل الكلام إليه باستقلاله بمناسبة التدليل على عظيم القدرة مستخرجا من الأدلة السابقة عليه أيضا كقوله : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥] ـ وقوله ـ : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) [سورة الطارق : ٨] فصيغ بصيغة التعجيب من إنكار منكري البعث لأن الأدلة السالفة لم تبق عذرا لهم في ذلك فصار في إنكارهم محل عجب المتعجب.
فليس المقصود من الشرط في مثل هذا تعليق حصول مضمون جواب الشرط على حصول فعل الشرط كما هو شأن الشروط لأن كون قولهم : (أَإِذا كُنَّا تُراباً) عجبا أمر ثابت سواء عجب منه المتعجب أم لم يعجب ، ولكن المقصود أنه إن كان اتصاف بتعجب فقولهم ذلك هو أسبق من كل عجب لكل متعجب ، ولذلك فالخطاب يجوز أن يكون موجها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو المناسب بما وقع بعده من قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) [الرعد : ٦] وما بعده من الخطاب الذي لا يصلح لغير النبي صلىاللهعليهوسلم. ويجوز أن يكون الخطاب هنا لغير معين مثل (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) [السجدة : ١٢].
والفعل الواقع في سياق الشرط لا يقصد تعلقه بمعمول معين فلا يقدر : إن تعجب من قول أو إن تعجب من إنكار ، بل ينزل الفعل منزلة اللازم ولا يقدر له مفعول. والتقدير : إن يكن منك تعجب فاعجب من قولهم إلخ ....
على أن وقوع الفعل في سياق الشرط يشبه وقوعه في سياق النفي فيكون لعموم