(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))
عطف على جملة (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) [سورة الرعد : ١٤] أي له دعوة الحق وله يسجد من في السماوات والأرض وذلك شعار الإلهية ، فأما الدعوة فقد اختص بالحقة منها دون الباطلة ، وأما السجود وهو الهويّ إلى الأرض بقصد الخضوع فقد اختص الله به على الإطلاق ، لأن الموجودات العليا والمؤمنين بالله يسجدون له ، والمشركين لا يسجدون للأصنام ولا لله تعالى ، ولعلهم يسجدون لله في بعض الأحوال.
وعدل عن ضمير الجلالة إلى اسمه تعالى العلم تبعا للأسلوب السابق في افتتاح الأغراض الأصلية.
والعموم المستفاد من (مَنْ) الموصولة عموم عرفي يراد به الكثرة الكاثرة.
والمقصود من (طَوْعاً وَكَرْهاً) تقسيم أحوال الساجدين. والمراد بالطوع الانسياق من النفس تقرّبا وزلفى لمحض التعظيم ومحبة الله. وبالكره الاضطرار عند الشدة والحاجة كما في قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [سورة النحل : ٥٣]. ومنه قولهم : مكره أخوك لا بطل ، أي مضطر إلى المقاتلة وليس المراد من الكره الضغط والإلجاء كما فسر به بعضهم فهو بعيد عن الغرض كما سيأتي.
والظلال : جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.
والضمير راجع إلى (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مخصوص بالصالح له من الأجسام الكثيفة ذات الظل تخصيصا بالعقل والعادة ، وهو عطف على (مَنْ) ، أي يسجد من في السموات وتسجد ظلالهم.
والغدوّ : الزمان الذي يغدو فيه الناس ، أي يخرجون إلى حوائجهم : إما مصدرا على تقدير مضاف ، أي وقت الغدو ؛ وإما جمع غدوة ، فقد حكي جمعها على غدوّ ، وتقدم في آخر سورة الأعراف.
والآصال : جمع أصيل ، وهو وقت اصفرار الشمس في آخر المساء ، والمقصود من ذكرهما استيعاب أجزاء أزمنة الظل.
ومعنى سجود الظلال أن الله خلقها من أعراض الأجسام الأرضية ، فهي مرتبطة بنظام انعكاس أشعة الشمس عليها وانتهاء الأشعة إلى صلابة وجه الأرض حتى تكون