والرابط اللام في قوله : (الْخَلْقُ) لأنها عوض عن الضمير المضاف إليه. والتقدير : فتشابه خلقهم عليهم. والوصفان هما مصب التهكم والتغليط.
وجملة (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فذلكة لما تقدم ونتيجة له ، فإنه لما جاء الاستفهام التوبيخي في (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) [سورة الرعد : ١٦] وفي (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) كان بحيث ينتج أن أولئك الذين اتخذوهم شركاء لله والذين تبين قصورهم عن أن يملكوا لأنفسهم نفعا أو ضرا ، وأنهم لا يخلقون كخلق الله إن هم إلا مخلوقات لله تعالى ، وأن الله خالق كل شيء ، وما أولئك الأصنام إلا أشياء داخلة في عموم (كُلِّ شَيْءٍ) ؛ وأن الله هو المتوحد بالخلق ، القهّار لكل شيء دونه. ولتعين موضوع الوحدة ومتعلق القهر حذف متعلقهما. والتقدير : الواحد بالخلق القهّار للموجودات.
والقهر : الغلبة ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) في سورة الأنعام [١٨].
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧))
جملة (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) استئناف ابتدائي أفاد تسجيل حرمان المشركين من الانتفاع بدلائل الاهتداء التي من شأنها أن تهدي من لم يطبع الله على قلبه فاهتدى بها المؤمنون.
وجيء في هذا التسجيل بطريقة ضرب المثل بحالي فريقين في تلقي شيء واحد انتفع فريق بما فيه من منافع وتعلق فريق بما فيه من مضار. وجيء في ذلك التمثيل بحالة فيها دلالة على بديع تصرف الله تعالى ليحصل التخلص من ذكر دلائل القدرة إلى ذكر عبر الموعظة ، فالمركب مستعمل في التشبيه التمثيلي بقرينة قوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَ) إلخ.
شبه إنزال القرآن الذي به الهدى من السماء بإنزال الماء الذي به النفع والحياة من السماء. وشبه ورود القرآن على أسماع الناس بالسيل يمر على مختلف الجهات فهو يمرّ على التّلال والجبال فلا يستقر فيها ولكنه يمضي إلى الأودية والوهاد فيأخذ منه كلّ بقدر سعته. وتلك السيول في حال نزولها تحمل في أعاليها زبدا ، وهو رغوة الماء التي تربو