وسيأتي تأويل هذه الرؤيا عند قوله تعالى : (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [سورة يوسف : ١٠٠].
(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥))
جاءت الجملة مفصولة عن التي قبلها على طريقة المحاورات. وقد تقدّمت عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
والنّداء مع حضور المخاطب مستعمل في طلب إحضار الذهن اهتماما بالغرض المخاطب فيه.
و (بُنَيَ) ـ بكسر الياء المشدّدة ـ تصغير ابن مع إضافته إلى ياء المتكلم وأصله بنيوي أو بنييي على الخلاف في أنّ لام ابن الملتزم عدم ظهورها هي واو أم ياء. وعلى كلا التقديرين فإنّها أدغمت فيها ياء التصغير بعد قلب الواو ياء لتقارب الياء والواو ، أو لتماثلهما فصار (بنيّي). وقد اجتمع ثلاث ياءات فلزم حذف واحدة منها فحذفت ياء المتكلم لزوما وألقيت الكسرة التي اجتلبت لأجلها على ياء التصغير دلالة على الياء المحذوفة. وحذف ياء المتكلم من المنادى المضاف شائع ، وبخاصة إذا كان في إبقائها ثقل كما هنا ، لأنّ التقاء ياءات ثلاث فيه ثقل.
وهذا التّصغير كناية عن تحبيب وشفقة. نزل الكبير منزلة الصغير لأنّ شأن الصغير أن يحب ويشفق عليه. وفي ذلك كناية عن إمحاض النصح له.
والقصّ : حكاية الرؤيا. يقال : قص الرؤيا إذا حكاها وأخبر بها. وهو جاء من القصص كما علمت آنفا.
والرؤيا ـ بألف التأنيث ـ هي : رؤية الصور في النوم ، فرّقوا بينها وبين رؤية اليقظة باختلاف علامتي التأنيث ، وهي بوزن البشرى والبقيا.
وقد علم يعقوب ـ عليهالسلام ـ أن إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ العشرة كانوا يغارون منه لفرط فضله عليهم خلقا وخلقا ، وعلم أنّهم يعبرون الرؤيا إجمالا وتفصيلا ، وعلم أن تلك الرؤيا تؤذن برفعة ينالها يوسف ـ عليهالسلام ـ على إخوته الذين هم أحد عشر فخشي إن قصّها يوسف ـ عليهالسلام ـ عليهم أن تشتد بهم الغيرة إلى حدّ الحسد ،