(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩))
تفريع على جملة (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) الآية [سورة الرعد : ١٣]. فالكلام لنفي استواء المؤمن والكافر في صورة الاستفهام تنبيها على غفلة الضالّين عن عدم الاستواء ، كقوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [سورة السجدة : ١٨].
واستعير لمن لا يعلم أنّ القرآن حق اسم الأعمى لأنه انتفى علمه بشيء ظاهر بيّن فأشبه الأعمى ، فالكاف للتشابه مستعمل في التماثل. والاستواء المراد به التماثل في الفضل بقرينة ذكر العمى. ولهذه الجملة في المعنى اتصال بقوله في أول السورة (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) ـ إلى ـ (يُؤْمِنُونَ) [سورة الرعد : ١]. (١) وجملة (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) تعليل للإنكار الذي هو بمعنى الانتفاء بأن سبب عدم علمهم بالحق أنهم ليسوا أهلا للتذكر لأن التذكر من شعار أولي الألباب ، أي العقول.
والقصر ب (أَنَّما) إضافي ، أي لا غير أولي الألباب ، فهو تعريض بالمشركين بأنهم لا عقول لهم إذ انتفت عنهم فائدة عقولهم.
والألباب : العقول. وتقدم في آخر سورة آل عمران.
[٢٠ ، ٢٢] (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢))
يجوز أن تكون (الَّذِينَ يُوفُونَ) ابتداء كلام فهو استئناف ابتدائي جاء لمناسبة ما أفادت الجملة التي قبلها من إنكار الاستواء بين فريقين. ولذلك ذكر في هذه الجمل حال فريقين في المحامد والمساوي ليظهر أن نفي التسوية بينهما في الجملة السابقة ذلك النفي المراد به تفضيل أحد الفريقين على الآخر هو نفي مؤيد بالحجة ، وبذلك يصير موقع هذه الجملة مفيدا تعليلا لنفي التسوية المقصود منه تفضيل المؤمنين على المشركين ، فيكون قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ) مسندا إليه وكذلك ما عطف عليه. وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) مسندا.
__________________
(١) في المطبوعة : الذين يؤمنون