وجاءت صلة (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) وما عطف عليها وهو (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا) بصيغة المضيّ لإفادة تحقق هذه الأفعال الثلاثة لهم وتمكنها من أنفسهم تنويها بها لأنها أصول لفضائل الأعمال.
فأما الصبر فلأنه ملاك استقامة الأعمال ومصدرها فإذا تخلق به المؤمن صدرت عنها لحسنات والفضائل بسهولة ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر : ٢ ـ ٣].
وأما الصلاة فلأنها عماد الدين وفيها ما في الصبر من الخاصية لقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وقوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [سورة البقرة : ٤٥].
وأما الإنفاق فأصله الزكاة ، وهي مقارنة للصلاة كلما ذكرت ، ولها الحظ الأوفى من اعتناء الدين بها ، ومنها النفقات والعطايا كلها ، وهي أهم الأعمال ، لأن بذل المال يشق على النفوس فكان له من الأهمية ما جعله ثانيا للصلاة.
ثم أعيد أسلوب التعبير بالمضارع في المعطوف على الصلة وهو قوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) لاقتضاء المقام إفادة التجدد إيماء إلى أن تجدد هذا الدرء ما يحرص عليه لأن الناس عرضة للسيئات على تفاوت ، فوصف لهم دواء ذلك بأن يدعوا السيّئات بالحسنات.
والقول في عطف (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) وفي إعادة اسم الموصول كالقول في (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).
والصبر : من المحامد. وتقدم في قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) في سورة البقرة [٤٥]. والمراد الصبر على مشاق أفعال الخير ونصر الدين.
و (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) مفعول لأجله ل (صَبَرُوا). والابتغاء : الطلب. ومعنى ابتغاء وجه الله ابتغاء رضاه كأنه فعل فعلا يطلب به إقباله عند لقائه ، وتقدم في قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) في آخر سورة البقرة [٢٧٢].
والمعنى أنهم صبروا لأجل أن الصبر مأمور به من الله لا لغرض آخر كالرياء ليقال ما أصبره على الشدائد ولاتّقاء شماتة الأعداء.