والسر والعلانية تقدم وجه ذكرهما في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) أواخر سورة البقرة [٢٧٤].
والدرء : الدفع والطرد. وهو هنا مستعار لإزالة أثر الشيء فيكون بعد حصول المدفوع وقبل حصوله بأن يعدّ ما يمنع حصوله ، فيصدق ذلك بأن يتبع السّيّئة إذا صدرت منه بفعل الحسنات فإن ذلك كطرد السيئة. قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا معاذ اتّق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها». وخاصة فيما بينه وبين ربه.
ويصدق بأن لا يقابل من فعل معه سيّئة بمثله بل يقابل ذلك بالإحسان ، قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [سورة فصلت : ٣٤] بأن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه وذلك فيما بين الأفراد وكذلك بين الجماعات إذ لم يفض إلى استمرار الضر. قال تعالى في ذلك : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [سورة الأنفال : ٣].
ويصدق بالعدول عن فعل السيئة بعد العزم فإن ذلك العدول حسنة درأت السيّئة المعزوم عليه. قال النبي ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «من همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة».
فقد جمع (يَدْرَؤُنَ) جميع هذه المعاني ولهذا لم يعقب بما يقتضي أن المراد معاملة المسيء بالإحسان كما أتبع في قوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في سورة فصلت [٣٤]. وكما في قوله (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) في سورة المؤمنون [٩٦].
وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) خبر عن (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ). ودل اسم الإشارة على أن المشار إليهم جديرون بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل ما وصف به المشار إليهم من الأوصاف ، كما في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في أول سورة البقرة [٥].
و (لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) جملة خبرا عن اسم الإشارة. وقدم المجرور على المبتدأ للدلالة على القصر ، أي لهم عقبى الدار لا للمتصفين بأضداد صفاتهم ، فهو قصر إضافي.
والعقبى : العاقبة ، وهي الشيء الذي يعقب ، أي يقع عقب شيء آخر. وقد اشتهر
استعمالها في آخرة الخير ، قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة القصص : ٨٣]. ولذلك