وقعت هنا في مقابلة ضدها في قوله : (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [سورة غافر : ٥٢].
وأما قوله : (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) [سورة الرعد : ٣٥] فهو مشاكلة كما سيأتي في آخر السورة عند قوله : وسيعلم الكافر (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)[سورة الرعد : ٤٢]. وانظر ما ذكرته في تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) في سورة القصص [٣٧] فقد زدته بيانا.
وإضافتها إلى (الدَّارِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف. والمعنى : لهم الدار العاقبة ، أي الحسنة.
[٢٣ ، ٢٤] (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤))
(جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل من (عُقْبَى الدَّارِ). والعدن : الاستقرار. وتقدم في قوله : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) في سورة براءة [٧٢].
وذكر (يَدْخُلُونَها) لاستحضار الحالة البهيجة. والجملة حال من (جَنَّاتُ) أو من ضمير (لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) ، والواو في (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) واو المعية وذلك زيادة الإكرام بأن جعل أصولهم وفروعهم وأزواجهم المتأهلين لدخول الجنة لصلاحهم في الدرجة التي هم فيها ؛ فمن كانت مرتبته دون مراتبهم لحق بهم ، ومن كانت مرتبته فوق مراتبهم لحقوا هم به ، فلهم الفضل في الحالين. وهذا كعكسه في قوله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [سورة الصافات : ٢٢] الآية لأن مشاهدة عذاب الأقارب عذاب مضاعف.
وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح أو خلف صالح أو زوج صالح ممن تحققت فيهم هذه الصلاة أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه ، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [سورة الطور : ٢١].
والآباء يشمل الأمهات على طريقة التغليب كما قالوا : الأبوين.
وجملة (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) عطف على (يَدْخُلُونَها) فهي في موقع الحال. وهذا من كرامتهم والتنويه بهم ، فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه.