وذكر (مِنْ كُلِّ بابٍ) كناية عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لا تدخل منه ملائكة. ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسرة كان كثيرا في الأمكنة. ويفهم منه أن ذلك كثير في الأزمنة فهو متكرر لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم ، فكأنه قيل من كل باب في كل آن.
وجملة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) مقول قول محذوف لأن هذا لا يكون إلا كلاما من الداخلين. وهذا تحية يقصد منها تأنيس أهل الجنة.
والباء في (بِما صَبَرْتُمْ) للسببية ، وهي متعلقة بالكون المستفاد من المجرور وهو (عَلَيْكُمْ). والتقدير : نالكم هذا التكريم بالسلام بسبب صبركم. ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف مستفاد من المقام ، أي هذا النعيم المشاهد بما صبرتم.
والمراد : الصبر على مشاق التكاليف وعلى ما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم.
وفرع على ذلك (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) تفريع ثناء على حسن عاقبتهم. والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة مقام الخطاب عليه. والتقدير : فنعم عقبى الدار دار عقباكم. وتقدم معنى (عُقْبَى الدَّارِ) آنفا.
(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥))
هذا شرح حال أضداد الذين يوفون بعهد الله ، وهو ينظر إلى شرح مجمل قوله : (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) [سورة الرعد : ١٩]. والجملة معطوفة على جملة (الَّذِينَ يُوفُونَ) [الرعد : ٢٠].
ونقض العهد : إبطاله وعدم الوفاء به.
وزيادة (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) زيادة في تشنيع النقض ، أي من بعد توثيق العهد وتأكيده.
وتقدم نظير هذه الآية قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) في أوائل سورة البقرة : ٢٦ ـ ٢٧].
وجملة (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) خبر عن (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ) وهي مقابل جملة (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).