(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠))
هذا الجواب عن قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) لأن الجواب السابق بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) جواب بالإعراض عن جهالتهم والتعجب من ضلالهم وما هنا هو الجواب الرادّ لقولهم. فيجوز جعل هذه الجملة من مقول القول ، ويجوز جعله مقطوعة عن جملة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ). وأيّا ما كان فهي بمنزلة البيان لجملة القول كلها ، أو البيان لجملة المقول وهو التعجب.
وفي افتتاحها بقوله : (كَذلِكَ) الذي هو اسم إشارة تأكيد للمشار إليه وهو التعجب من ضلالتهم إذ عموا عن صفة الرسالة.
والمشار إليه : الإرسال المأخوذ من فعل (أَرْسَلْناكَ) ، أي مثل الإرسال النبيين أرسلناك ، فالمشبه به عين المشبّه ، إشارة إلى أنه لوضوحه لا يبين ما وضح من نفسه. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
ولما كان الإرسال قد علق بقوله : (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) صارت الإشارة أيضا متحملة لمعنى إرسال الرسل من قبله إلى أمم يقتضي مرسلين ، أي ما كانت رسالتك إلّا مثل رسالة الرسل من قبلك. كقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [سورة الأحقاف : ٩] وقوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [سورة الفرقان : ٢٠] لإبطال توهم المشركين أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما لم يأتهم بما سألوه فهو غير مرسل من الله. وفي هذا الاستدلال تمهيد لقوله : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) [سورة الرعد : ٣١] الآيات. ولذلك أردفت الجملة بقوله : (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ).
والأمّة : هي أمة الدعوة (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ).
وتقدم معنى (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) في سورة آل عمران عند قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) [سورة آل عمران : ١٣٧]. ويتضمن قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) التعريض بالوعيد بمثل مصير الأمم الخالية التي كذبت رسلها.
وتضمن لام التعليل في قوله : (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ) أن الإرسال لأجل الإرشاد والهداية