مفعولا ل (يَيْأَسِ). ويجوز أن يكون متعلق (يَيْأَسِ) محذوفا دل عليه المقام. تقديره : من إيمان هؤلاء ، ويكون (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) مجرورا بلام تعليل محذوفة. والتقدير : لأنه لو يشاء الله لهدى الناس ، فيكون تعليلا لإنكار عدم يأسهم على تقدير حصوله.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ).
معطوفة على جملة (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) على بعض الوجوه في تلك الجملة. وهي تهديد بالوعيد على تعنتهم وإصرارهم على عدم الاعتراف بمعجزة القرآن ، وتهكمهم باستعجال العذاب الذي توعدوا به ، فهددوا بما سيحلّ بهم من الخوف بحلول الكتائب والسرايا بهم تنال الذين حلّت فيهم وتخفيف من حولهم حتى يأتي وعد الله بيوم بدر أو فتح مكّة.
واستعمال (لا يَزالُ) في أصلها تدل على الإخبار باستمرار شيء واقع ، فإذا كانت هذه الآية مكية تعين أن تكون نزلت عند وقوع بعض الحوادث المؤلمة بقريش من جوع أو مرض ، فتكون هذه الآية تنبيها لهم بأن ذلك عقاب من الله تعالى ووعيد بأن ذلك دائم فيهم حتى يأتي وعد لله. ولعلها نزلت في مدة إصابتهم بالسنين السبع المشار إليها بقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) [سورة البقرة : ١٥٥].
ومن جعلوا هذه السورة مدنية فتأويل الآية عندهم أن القارعة السرية من سرايا المسلمين التي تخرج لتهديد قريش ومن حولهم. وهو لا ملجئ إليه.
والقارعة : في الأصل وصف من القرع ، وهو ضرب جسم بجسم آخر. يقال : قرع الباب إذا ضربه بيده بحلقة. ولما كان القرع يحدث صوتا مباغتا يكون مزعجا لأجل تلك البغتة صار القرع مجازا للمباغتة والمفاجأة ، ومثله الطّرق. وصاغوا من هذا الوصف صيغة تأنيث إشارة إلى موصوف ملتزم الحذف اختصارا لكثرة الاستعمال ، وهو ما يؤوّل بالحادثة أو الكائنة أو النازلة ، كما قالوا : داهية وكارثة ، أي نازلة موصوفة بالإزعاج فإن بغت المصائب أشد وقعا على النفس. ومنه تسمية ساعة البعث بالقارعة.
والمراد هنا الحادثة المفجعة بقرينة إسناد الإصابة إليها. وهي مثل الغارة والكارثة تحلّ فيهم فيصيبهم عذابها ، أو تقع بالقرب منهم فيصيبهم الخوف من تجاوزها إليهم ،