إخوته. وعداوة الشيطان لجنس الإنسان تحمله على أن يدفعهم إلى إضرار بعضهم ببعض.
وظاهر الآية أن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يقص رؤياه على إخوته وهو المناسب لكماله الذي يبعثه على طاعة أمر أبيه. ووقع في الإسرائيليات أنه قصّها عليهم فحسدوه.
(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦))
عطف هذا الكلام على تحذيره من قصّ الرؤيا على إخوته إعلاما له بعلوّ قدره ومستقبل كماله ، كي يزيد تمليا من سموّ الأخلاق فيتسع صدره لاحتمال أذى إخوته ، وصفحا عن غيرتهم منه وحسدهم إيّاه ليتمحّض تحذيره للصلاح ، وتنتفي عنه مفسدة إثارة البغضاء ونحوها ، حكمة نبويّة عظيمة وطبّا روحانيّا ناجعا.
والإشارة في قوله : (وَكَذلِكَ) إلى ما دلّت عليه الرؤيا من العناية الربّانيّة به ، أي ومثل ذلك الاجتباء يجتبيك ربّك في المستقبل ، والتّشبيه هنا تشبيه تعليل لأنّه تشبيه أحد المعلولين بالآخر لاتّحاد العلّة. وموقع الجار والمجرور موقع المفعول المطلق ل (يَجْتَبِيكَ) المبيّن لنوع الاجتباء ووجهه.
والاجتباء : الاختيار والاصطفاء. وتقدّم في قوله تعالى : (وَاجْتَبَيْناهُمْ) في سورة الأنعام [٨٧] ، أي اختياره من بين إخوته ، أو من بين كثير من خلقه. وقد علم يعقوب ـ عليهالسلام ـ ذلك بتعبير الرؤيا ودلالتها على رفعة شأنه في المستقبل فتلك إذا ضمّت إلى ما هو عليه من الفضائل آلت إلى اجتباء الله إياه ، وذلك يؤذن بنبوته. وإنّما علم يعقوب ـ عليهالسلام ـ أنّ رفعة يوسف ـ عليهالسلام ـ في مستقبله رفعة إلهية لأنّه علم أن نعم الله تعالى متناسبة فلمّا كان ما ابتدأه به من النعم اجتباء وكمالا نفسيّا تعيّن أن يكون ما يلحق بها ، من نوعها.
ثم إنّ ذلك الارتقاء النفساني الذي هو من الواردات الإلهية غايته أن يبلغ بصاحبه إلى النبوءة أو الحكمة فلذلك علم يعقوب ـ عليهالسلام ـ أنّ الله سيعلم يوسف ـ عليهالسلام ـ من تأويل الأحاديث ، لأنّ مسبّب الشيء مسبّب عن سبب ذلك الشيء ، فتعليم التّأويل ناشئ عن التشبيه الذي تضمنه قوله : (وَكَذلِكَ) ، ولأنّ اهتمام يوسف ـ عليهالسلام ـ برؤياه وعرضها على أبيه دلّ أباه على أنّ الله أودع في نفس يوسف ـ عليهالسلام ـ الاعتناء بتأويل الرؤيا وتعبيرها. وهذه آية عبرة بحال يعقوب ـ عليهالسلام ـ مع ابنه إذ