والمثل : هنا الصفة العجيبة ، قيل : هو حقيقة من معاني المثل ، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النحل : ٦٠] ، وقيل : هو مستعار من المثل الذي هو الشبيه في حالة عجيبة أطلق على الحالة العجيبة غير الشبيهة لأنها جديرة بالتشبيه بها.
وجملة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) خبر عن (مَثَلُ) باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه ، فهي من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين ، كما يقال : صفة زيد أسمر. وجملة (أُكُلُها دائِمٌ) خبر ثان ، والأكل بالضم : المأكول ، وتقدم.
ودوام الظل كناية عن التفاف الأشجار بحيث لا فراغ بينها تنفذ منه الشمس ، كما قال تعالى : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [سورة النبأ : ١٦] ، وذلك من محامد الجنات وملاذّها.
وجملة (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) مستأنفة.
والإشارة إلى الجنة بصفاتها بحيث صارت كالمشاهدة ، والمعنى : تلك هي التي سمعتم أنها عقبى الدار للذين يوفون بعهد الله إلى قوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ـ إلى قوله ـ (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [سورة الرعد : ٢٤] هي الجنة التي وعد المتّقون. وقد علم أن الذين اتقوا هم المؤمنون الصالحون كما تقدم. وأول مراتب التقوى الإيمان. وجملة (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) مستأنفة للمناسبة بالمضادة. وهي كالبيان لجملة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦))
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ).
الواو للاستئناف. وهذا استئناف ابتدائي انتقل به إلى فضل لبعض أهل الكتاب في حسن تلقيهم للقرآن بعد الفراغ من ذكر أحوال المشركين من قوله : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ) [سورة الرعد : ٣٠] إلخ ، ولذلك جاءت على أسلوبها في التعقيب بجملة (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) [سورة الرعد : ٣٦].
والمناسبة هي أن الذين أرسل إليهم بالقرآن انقسموا في التصديق بالقرآن فرقا ؛ ففريق آمنوا بالله وهم المؤمنون ، وفريق كفروا به وهم مصداق قوله : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [سورة الرعد : ٣٠] ، كما تقدم أنه عائد إلى المشركين المفهومين من المقام كما هو مصطلح القرآن.