الْكِتابِ (٣٩))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
هذا عود إلى الردّ على المشركين في إنكارهم آية القرآن وتصميمهم على المطالبة بآية من مقترحاتهم تماثل ما يؤثر من آيات موسى وآيات عيسى ـ عليهماالسلام ـ ببيان أن الرسول لا يأتي بآيات إلّا بإذن الله ، وأن ذلك لا يكون على مقترحات الأقوام ، وذلك قوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، فالجملة عطف على جملة (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) [الرعد : ٣٧].
وأدمج في هذا الرد إزالة شبهة قد تعرض أو قد عرضت لبعض المشركين فيطعنون أو طعنوا في نبوءة محمد صلىاللهعليهوسلم بأنه يتزوج النساء وأن شأن النبي أن لا يهتم بالنساء. قال البغوي : روي أن اليهود وقيل إن المشركين قالوا : إن هذا الرجل ليست له همة إلا في النساء اه. فتعين إن صحت الرواية في سبب النزول أن القائلين هم المشركون إذ هذه السورة مكية ولم يكن لليهود حديث مع أهل مكة ولا كان منهم في مكة أحد. وليس يلزم أن يكون هذا نازلا على سبب. وقد تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم خديجة ثم سودة ـ رضياللهعنهما ـ في مكة فاحتمل أن المشركين قالوا قالة إنكار تعلقا بأوهن أسباب الطعن في النبوءة. وهذه شبهة تعرض للسذج أو لأصحاب التمويه ، وقد يموّه بها المبشرون من النصارى على ضعفاء الإيمان فيفضلون عيسى ـ عليهالسلام ـ على محمد صلىاللهعليهوسلم بأن عيسى لم يتزوج النساء. وهذا لا يروج على العقلاء لأن تلك بعض الحظوظ المباحة لا تقتضي تفضيلا. وإنما التفاضل في كل عمل بمقادير الكمالات الداخلة في ذلك العمل. ولا يدري أحد الحكمة التي لأجلها لم يتزوج عيسى ـ عليهالسلام ـ امرأة. وقد كان يحيى ـ عليهالسلام ـ حصورا فلعل عيسى ـ عليهالسلام ـ قد كان مثله لأن الله لا يكلفه بما يشق عليه وبما لم يكلف به غيره من الأنبياء والرسل. وأما وصف الله يحيى ـ عليهالسلام ـ بقوله : (وَحَصُوراً) فليس مقصودا منه أنه فضيلة ولكنه أعلم أباه زكرياء ـ عليهالسلام ـ بأنه لا يكون له نسل ليعلم أن الله أجاب دعوته فوهب له يحيى ـ عليهالسلام ـ كرامة له ، ثم قدّر أنه لا يكون له نسل إنفاذا لتقديره فجعل امرأته عاقرا. وقد تقدم بيان ذلك في تفسير سورة آل عمران. وقد كان لأكثر الرسل أزواج ولأكثرهم ذرية مثل نوح وإبراهيم ولوط وموسى وداود وسليمان وغير هؤلاء ـ عليهمالسلام ـ.