ويحتمل أن يكون التعريف في (الْكِتابِ) الذي أضيف إليه (أُمُ) أصل ما يكتب ، أي يقدر في علم الله من الحوادث فهو الذي لا يغيّر ، أي يمحو ما يشاء ويثبت في الأخبار من وعد ووعيد ، وفي الآثار من ثواب وعقاب ، وعنده ثابت التقادير كلها غير متغيرة.
والعندية على هذا عندية الاختصاص ، أي العلم ، فالمعنى : أنه يمحو ما يشاء ويثبت فيما يبلغ إلى الناس وهو يعلم ما ستكون عليه الأشياء وما تستقر عليه ، فالله يأمر الناس بالإيمان وهو يعلم من سيؤمن منهم ومن لا يؤمن فلا يفجؤه حادث. ويشمل ذلك نسخ الأحكام التكليفية فهو يشرعها لمصالح ثم ينسخها لزوال أسباب شرعها وهو في حال شرعها يعلم أنها آئلة إلى أن تنسخ.
وقرأ الجمهور (وَيُثْبِتُ) ـ بتشديد الموحدة ـ من ثبّت المضاعف. وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، ويعقوب (وَيُثْبِتُ) ـ بسكون المثلثة وتخفيف الموحدة ـ.
(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠))
عطف على جملة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) [الرعد : ٣٩] باعتبار ما تفيده من إبهام مراد الله في آجال الوعيد ومواقيت إنزال الآيات ، فبينت هذه الجملة أن النبيصلىاللهعليهوسلم ليس مأمورا بالاشتغال بذلك ولا بترقبه وإنما هو مبلّغ عن الله لعباده والله يعلم ما يحاسب به عباده سواء شهد النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك أم لم يشهده.
وجعل التوفي كناية عن عدم رؤية حلول الوعيد بقرينة مقابلته بقوله : (نُرِيَنَّكَ). والمعنى : ما عليك إلا البلاغ سواء رأيت عذابهم أم لم تره.
وفي الإتيان بكلمة (بَعْضَ) إيماء إلى أنه يرى البعض. وفي هذا إنذار لهم بأن الوعيد نازل بهم ولو تأخر ؛ وأن هذا الدين يستمر بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه إذا كان الوعيد الذي أمر بإبلاغه واقعا ولو بعد وفاته فبالأولى أن يكون شرعه الذي لأجله جاء وعيد الكافرين به شرعا مستمرا بعده ، ضرورة أن الوسيلة لا تكون من الأهمية بأشدّ من المقصد المقصودة لأجله.
وتأكيد الشرط بنون التوكيد و (ما) المزيدة بعد (إِنْ) الشرطية مراد منه تأكيد الربط