يمنع المارّ من سلوك الطريق. وجعل الطريق طريق الله لأنه موصل إلى مرضاته فكأنه موصل إليه ، أو يصدّون أنفسهم عن سبيل الله لأنهم عطلوا مواهبهم ومداركهم من تدبر آيات القرآن ، فكأنهم صدّوها عن السير في سبيل الله ويبغون السبيل العوجاء ، فعلم أن سبيل الله مستقيم ، قال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) [سورة الأنعام : ١٥٣].
والإشارة في قوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [سورة إبراهيم : ٣] للتنبيه على أنهم أحرياء بما وصفوا به من الضلال بسبب صدّهم عن سبيل الحق وابتغائهم سبيل الباطل ، ف (أُولئِكَ) في محل مبتدأ و (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) خبر عنه. ودلّ حرف الظرفية على أن الضلال محيط بهم فهم متمكنون منه.
ووصف الضلال بالبعيد يجوز أن يكون على وجه المجاز العقلي ، وإنما البعيد هم الضالّون ، أي ضلالا بعدوا به عن الحق فأسند البعد إلى سببه.
ويجوز أن يراد وصفه بالبعد على تشبيهه بالطريق الشاسعة التي يتعذر رجوع سالكها ، أي ضلال قوي يعسر إقلاع صاحبه عنه. ففيه استبعاد لاهتداء أمثالهم كقوله : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [سورة الشورى : ١٨] وقوله : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) [سورة سبأ : ٨]. وتقدم في قوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) في سورة النساء [١١٦].
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤))
إذا كانت صيغة القصر مستعملة في ظاهرها ومسلّطة على متعلّقي الفعل المقصور كان قصرا إضافيا لقلب اعتقاد المخاطبين ، فيتعين أن يكون ردّا على فريق من المشركين قالوا : هلا أنزل القرآن بلغة العجم. وقد ذكر في «الكشاف» في سورة فصلت عند قوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) [سورة فصلت : ٤٤] فقال : كانوا لتعنتهم يقولون : هلا نزل القرآن بلغة العجم ، وهو مروي في «تفسير الطبري» هنالك عن سعيد بن جبير أن العرب قالوا ذلك.
ثم يجوز أن يكون المراد بلغة العجم لغة غير العرب مثل العبرانية أو السريانية من