بالتبيين. والمعنى أن الإرسال بلسان قومه لحكمة التبيين. وقد يحصل أثر التبيين بمعونة الاهتداء وقد لا يحصل أثره بسبب ضلال المبيّن لهم.
والإضلال والهدى من الله بما أعد في نفوس الناس من اختلاف الاستعداد.
وجملة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تذييل لأن العزيز قويّ لا ينفلت شيء من قدرته ولا يخرج عما خلق له ، والحكيم يضع الأشياء مواضعها ، فموضع الإرسال والتبيين أتي على أكمل وجه من الإرشاد. وموقع الإضلال والهدى هو التكوين الجاري على أنسب حال بأحوال المرسل إليهم ، فالتبيين من مقتضى أمر التشريع والإضلال من مقتضى أمر التكوين.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥))
لما كانت الآيات السابقة مسوقة للرد على من أنكروا أن القرآن منزل من الله أعقب الرد بالتمثيل بالنظير وهو إرسال موسى ـ عليهالسلام ـ إلى قومه بمثل ما أرسل به محمدصلىاللهعليهوسلم وبمثل الغاية التي أرسل لها محمد صلىاللهعليهوسلم ليخرج قومه من الظلمات إلى النور.
وتأكيد الإخبار عن إرسال موسى ـ عليهالسلام ـ بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المنكرين رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم منزلة من ينكر رسالة موسى ـ عليهالسلام ـ لأن حالهم في التكذيب برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم يقتضي ذلك التنزيل ، لأن ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، على أن منهم من قال : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ).
والباء في (بِآياتِنا) للمصاحبة ، أي إرسالا مصاحبا للآيات الدالة على صدقه في رسالته ، كما أرسل محمد صلىاللهعليهوسلم مصاحبا لآية القرآن الدال على أنه من عند الله ، فقد تمّ التنظير وانتهض الدليل على المنكرين.
و (أَنْ) تفسيرية ، فسر الإرسال بجملة «أخرج قومك» إلخ ، والإرسال فيه معنى القول فكان حقيقا بموقع (أَنْ) التفسيرية.
و (الظُّلُماتِ) مستعار للشرك والمعاصي ، و (النُّورِ) مستعار للإيمان الحق والتقوى ، وذلك أن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد في مصر بعد وفاة يوسف ـ عليهالسلام ـ