كلا النظمين قد حصل الاهتمام بهذا العذاب المخصوص بالذكر ، فالقرآن حكى مراد كلام موسى ـ عليهالسلام ـ من ذكر العذاب الأعم وذكر الأخص للاهتمام به ، وهو حاصل على كلا النظمين. وإنما حكاه القرآن في كل موضع بطريقة تفنّنا في إعادة القصة بحصول اختلاف في صورة النظم مع الحفاظ على المعنى المحكي ، وهو ذكر سوء العذاب مجملا ، وذكر أفظع أنواعه مبيّنا.
وأما عطف جملة (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) في الآيات الثلاث فلأن مضمونها باستقلاله لا يصلح لبيان سوء العذاب ، لأن استحياء النساء في ذاته نعمة ولكنه يصير من العذاب عند اقترانه بتذبيح الأبناء ، إذ يعلم أن مقصودهم من استحياء النساء استرقاقهن وإهانتهن فصار الاستحياء بذلك القصد تهيئة لتعذيبهن. ولذلك سمي جميع ذلك بلاء.
وأصل البلاء : الاختبار. والبلاء هنا المصيبة بالشرّ ، سمي باسم الاختبار لأنه اختبار لمقدار الصبر ، فالبلاء مستعمل في شدة المكروه من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه على طريقة المجاز المرسل. وقد شاع إطلاق هذا بصيغة اسم المصدر بحيث يكاد لا يطلق إلّا على المكروه. وما ورد منه مستعملا في الخير فإنما ورد بصيغة الفعل كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [سورة الأنبياء : ٣٥] ، وقوله : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)[سورة محمد : ٣١]. وتقدم في نظيرها من سورة البقرة.
وجعل هذا الضر الذي لحقهم واردا من جانب الله لأن تخلّيه آل فرعون لفعل ذلك وعدم إلطافه ببني إسرائيل يجعله كالوارد من الله وهو جزاء على نبذ بني إسرائيل دينهم الحق الذي أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب ـ عليهمالسلام ـ واتّباعهم دين القبط وعبادة آلهتهم.
واختيار وصف الربّ هنا للإيماء إلى أنه أراد به صلاح مستقبلهم وتنبيههم لاجتناب عبادة الأوثان وتحريف الدين كقوله : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [سورة الإسراء : ٨].
وهذه الآية تضمنت ما في فقرة (١٧) من «الإصحاح» (١٢). وفقرة (٣) من «الإصحاح» (١٣) من «سفر الخروج». وما في فقرة (١٣) من الإصحاح (٢٦) من «سفر اللّاويين».
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧))