وقد يعدّى بلام التعليل داخلة على ما جعل سببا للدعوة فإن العلة تدل على المعلول ، كقوله تعالى : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ) [سورة نوح : ٧] ، أي دعوتهم إلى سبب المغفرة لتغفر ، أي دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم ، وهو في هذه الآية كذلك ، أي يدعوكم إلى التوحيد ليغفر لكم من ذنوبكم.
وقد يعدى فعل الدعوة إلى المدعو إليه باللام تنزيلا للشيء الذي يدعى إلى الوصول إليه منزلة الشيء الذي لأجله يدعى ، كقول أعرابي من بني أسد :
دعوت لما نابني مسورا |
|
فلبّى فلبي يدي مسور |
(قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ).
أرادوا إفحام الرسل بقطع المجادلة النظرية ، فنفوا اختصاص الرسل بشيء زائد في صورتهم البشرية يعلم به أن الله اصطفاهم دون غيرهم بأن جعلهم رسلا عنه ، وهؤلاء الأقوام يحسبون أن هذا أقطع لحجة الرسل لأن المماثلة بينهم وبين قومهم محسوسة لا تحتاج إلى تطويل في الاحتجاج ، فلذلك طالبوا رسلهم أن يأتوا بحجة محسوسة تثبت أن الله اختارهم للرسالة عنه ، وحسبانهم بذلك التعجيز.
فجملة (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) في موضع الحال ، وهي قيد لما دل عليه الحصر في جملة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) من جحد كونهم رسلا من الله بالدّين الذي جاءوهم به مخالفا لدينهم القديم ، فبذلك الاعتبار كان موقع التفريع لجملة (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) لأن مجرّد كونهم بشرا لا يقتضي مطالبتهم بالإتيان بسلطان مبين وإنما اقتضاه أنهم جاءوهم بإبطال دين قومهم ، وهو مضمون ما أرسلوا به.
وقد عبّروا عن دينهم بالموصولية لما تؤذن به الصلة من التنويه بدينهم بأنه متقلّد آبائهم الذين يحسبونهم معصومين من اتباع الباطل ، وللأمم تقديس لأسلافها فلذلك عدلوا عن أن يقولوا : تريدون أن تصدّونا عن ديننا.
والسلطان : الحجة. وقد تقدّم في قوله : (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) في سورة الأعراف [٧١].
المبين الواضح الذي لا احتمال فيه لغير ما دل عليه.