والخطاب في (لَنُسْكِنَنَّكُمُ) للرسل والذين آمنوا بهم ، فلا يقتضي أن يسكن الرسول بأرض عدوه بل يكفي أن يكون له السلطان عليها وأن يسكنها المؤمنون ، كما مكن الله لرسوله مكة وأرض الحجاز وأسكنها الذين آمنوا بعد فتحها.
(ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) (١٤).
(ذلِكَ) إشارة إلى المذكور من الإهلاك والإسكان المأخوذين من (لَنُهْلِكَنَ) ، و (لَنُسْكِنَنَّكُمُ). عاد إليهما اسم الإشارة بالإفراد بتأويل المذكور ، كقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [سورة الفرقان : ٦٨].
واللام للملك ، أي ذلك عطاء وتمليك لمن خاف مقامي ، كقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [سورة البينة : ٨].
والمعنى : ذلك الوعد لمن خاف مقامي ، أي ذلك لكم لأنكم خفتم مقامي ، فعدل عن ضمير الخطاب إلى (لِمَنْ خافَ مَقامِي) لدلالة الموصول على الإيماء إلى أن الصلة علة في حصول تلك العطية.
ومعنى (خافَ مَقامِي) خافني ، فلفظ مقام مقحم للمبالغة في تعلق الفعل بمفعوله ، كقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦] ، لأن المقام أصله مكان القيام ، وأريد فيه بالقيام مطلق الوجود لأن الأشياء تعتبر قائمة ، فإذا قيل (خافَ مَقامِي) كان فيه من المبالغة ما ليس في (خافني) بحيث إن الخوف يتعلق بمكان المخوف منه. كما يقال : قصّر في جانبي. ومنه قوله تعالى : (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [سورة الزمر : ٥٦]. وكل ذلك كناية عن المضاف إليه كقول زياد الأعجم :
إن السماحة والمروءة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |
أي في ابن الحشرج من غير نظر إلى وجود قبة. ومنه ما في الحديث «إن الله لما خلق الرحم أخذت بساق العرش وقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة» ، أي هذا العائذ بك القطيعة.
وخوف الله : هو خوف غضبه لأن غضب الله أمر مكروه لدى عبيده.
وعطف جملة (وَخافَ وَعِيدِ) على (خافَ مَقامِي) مع إعادة فعل (خافَ) دون اكتفاء بعطف (وَعِيدِ) على (مَقامِي) لأن هذه الصلة وإن كان صريحها ثناء على